الخميس، 3 مايو 2018

الرصاص في شَعْر إسحاق نيوتن!


ربما يتذكر الكثير منَّا العالم البريطاني المشهور إسحاق نيوتن الذي اكتشف الجاذبية الأرضية وقوانين الحركة ومات عام 1727، فسَبب بنظرياته واكتشافاته هزة علمية كبيرة كالزلزال الذي ينزل بالكرة الأرضية، فغير المفاهيم والنظريات العلمية القديمة، وفتح الباب على مصراعيه أمام أبحاث علمية جديدة وفريدة من نوعها، ومهد الطريق لاكتشافات واختراعات كثيرة ننعم بها اليوم ونستفيد منها في حياتنا اليومية.

والآن وبعد مرور أكثر من 291 عاماً على وفاته تم أخذ عينة من شعر رأسه والمحفوظة في أرشيف العائلة لإجراء بعض التحاليل المخبرية العادية الروتينية والتعرف على مكونات الشعر من العناصر الكيميائية المختلفة، وبعد ظهور نتائج التحاليل وقف العلماء مندهشين وحائرين أمام البعض من هذه النتائج، فلم يتوقع أحد من فريق البحث مثل هذا الاكتشاف الغريب والغامض ولم يخطر قط على بال أحدٍ منهم، فقد مكثوا أياماً طويلة يحاولون فك خيوط هذا اللغز المحير، وتقديم تفسيرٍ علمي واقعي لهذا الاكتشاف الجديد المثير للجدل.

فقد أكدت التحاليل وجود مستويات مرتفعة جداً من عنصر الرصاص السام والخطر في شعر إسحاق نيوتن وصلت إلى 93 جزءاً من الرصاص في المليون جزء من الشعر. فهذا الاكتشاف أثار الكثير من الأسئلة حول وجود الرصاص في شعر هذا العالم وفي جسمه بشكلٍ عام.

فكيف دخل هذا الرصاص السام إلى جسم نيوتن وتراكم مع الزمن في شعره؟ وما هو مصدر هذا العنصر الملوث للبيئة والإنسان في تلك الحقيبة من الزمن؟ ومن أين تعرض لهذا السم وما هي الفترة الزمنية؟

واليوم ما يعنيني ويهمني كثيراً من هذا الاكتشاف المقلق، أننا الآن وبعد مُضي أكثر من قرنين ونصف القرن مازلنا أمام المشهد نفسه فنعاني من الظاهرة نفسها وكأنه لم يتغير شيئاً، ونقاسي بشدة من أزمة التلوث من الرصاص ووجود هذا العنصر السام في أعضاء أجسام الملايين من البشر في كل أنحاء العالم، كما عانى منه نيوتن قبل أكثر من 291 عاماً!

فهل فشل الإنسان في التخلص كلياً من هذا الملوث الخطير؟ وهل خسر الإنسان الحرب الضروس ضد الرصاص والمستمرة لمئات السنين؟

ودعوني أُقدم لكم دراسة واحدة فقط من بين عشرات الآلاف من الدراسات والأبحاث التي تؤكد خسارة الإنسان في كل معاركه ضد "الرصاص" طوال هذه السنوات العجاف الطويلة، وتبين عجزه التام في التخلص منه وشل حركته ومنعه من الوصول إلى أعضاء أجسامنا. فقد نشرت المجلة الطبية المرموقة "لانست للصحة العامة" في مارس من العام الجاري دراسة شاملة وجامعة حول الرصاص في دم الإنسان الأمريكي وعلاقته بالموت المبكر من أمراض القلب، حيث شملت عينة الدراسة 14289 أمريكياً من الولايات الخمسين في كل أرجاء أمريكا، وراقبت التغيرات التي تطرأ على حالتهم الصحية لعشرين عاماً، وجاءت نتائج الدراسة كالصاعقة على قلوب الأمريكيين خاصة ونفوس البشر عامة في كل أرجاء المعمورة، حيث وجهت الدراسة أصابع الاتهام إلى "الرصاص" الجاثم في أجسامنا، وحمَّلتُه المسؤولية في إصابة وقتل 256 ألف أمريكي سنوياً بأمراض القلب.

فمصادر الرصاص كثيرة ومتعددة، منها أنابيب مياه الشرب التي يدخل في صناعتها وتركيبها عنصر الرصاص السام، ومنها مركبات الرصاص التي كانت ومازالت في بعض الدول تضاف إلى وقود السيارات التي تعمل بالجازولين، ومنها كذلك الدهان المنزلي وغير المنزلي الذي يوجد فيه الرصاص، ومنها البطاريات بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها، وبخاصة بطاريات السيارات، ومنها أيضاً بعض المنتجات البلاستيكية ومنتجات التجميل والتبرج والزينة التي تدخل في تركيبها مركبات الرصاص، وهي منتجات استهلاكية يستخدمها الإنسان بشكلٍ يومي.

وبالرغم من أن قوانين بعض الدول منعت استخدام مركبات الرصاص في بعض المنتجات، كدهان المنازل والجازولين المستخدم في السيارات منذ أكثر من أربعين عاماً، إلا أن الرصاص مازال يعيش معنا ودخل في أعضاء أجسامنا وتراكم فيها يوماً بعد يوم، ولذلك الدراسات التي تُنشر اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى تؤكد تجذر هذه الأزمة البيئية الصحية في أعماق أجساد المجتمع الأمريكي والمجتمعات البشرية حول العالم، وتثبت الضرر الصحي الذي نزل على الإنسان بسبب استخدام الرصاص.

فتلوث الإنسان بالرصاص منذ عهد إسحاق نيوتن لم ينته بعد، ومعاناة البشر من التلوث بالرصاص ومن التلوث عامة مازالت قائمة وقاتمة ومستفحلة في المجتمع البشري عامة، فهل أستطيع القول بأن الإنسان خسر الحرب ضد التلوث الناجم عن الرصاص خاصة، والتلوث بشكلٍ عام؟   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق