السبت، 7 أبريل 2018

أول مفاعل نووي عربي


قريباً ستتحول دول الخليج من دولٍ تعتمد كلياً على الوقود الأحفوري الناضب وغير المتجدد من النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي كمصدر وحيد لا منافس له لتوليد الطاقة والكهرباء إلى مصدرٍ آخرٍ نظيف ورفيق بالبيئة ومواردها الطبيعية لإنتاج الكهرباء، وهو الطاقة الذرية أو النووية، وستكون دولة الإمارات العربية المتحدة هي الرائدة في هذا المصدر الجديد الذي ولج على بلادنا، وستفتح الباب على مصراعيه للدول الخليجية والعربية الأخرى لتحذو حذو الإمارات، وتعمل على إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء.

 

فقد أعلنتْ مؤخراً مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في أبوظبي ووزارة الطاقة في كوريا الجنوبية بأنها انتهت فعلياً من بناء أول محطة من الجيل الثالث للمفاعلات النووية من بين أربع محطات ضمن مشروع "براكة" لتوليد الكهرباء بالطاقة الذرية في أبوظبي، علماً بأنها ستُحمَّل بالوقود النووي للبدء في التشغيل الفعلي بحلول نهاية شهر مايو من العام الجاري. والجدير بالذكر فإن هذا المشروع الرائد والفريد من نوعه في المنطقة في مجمله سيوفر 25% من احتياجات الكهرباء في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

ولذلك وكما هو معلوم لدى الجميع فإن خبراتنا الكبيرة الواسعة السابقة في مجال توليد الكهرباء والأمور المتعلقة بالأمن والسلامة وحماية البيئة والناس تنحصر في المصانع التي تعمل بالغاز الطبيعي، أو أحد مشتقات النفط، ولكن خبراتنا وتجاربنا شبه معدومة في الجوانب المتعلقة بالسلامة والحفاظ على الثروات والموارد البيئية الطبيعية من أية حوادث أو تسربات قد تقع عند توليد الكهرباء من المفاعلات النووية، ولذلك لا بد من دراسة وتحليل وتدقيق الخبرات السابقة والكوارث النووية التي وقعت في التاريخ المعاصر لنتعرف عن كثب على أسباب وملابسات وقوعها، فنتجنب ونمنع أنفسنا من ارتكاب الأخطاء نفسها عندنا، ونتعلم كيفية التعامل معها وإدارتها، ونتخذ من الآن جميع إجراءات الأمن والسلامة المتعلقة بمثل هذه المفاعلات النووية من جهة، وعند حدوث الكوارث من جهة أخرى.

 

فالطامة الكبرى هي أن الحوادث التي قد تقع عند إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري تكون محدودة من الناحيتين الزمانية والمكانية، فنطاق تأثيرها الجغرافي ضيق نسبياً وتأثيراتها السلبية على الإنسان وبيئته والحياة الفطرية تنتهي عادة بعد السيطرة عليها وبعد فترة قصيرة من الزمن، ولكن في حالة التسربات الإشعاعية والحوادث النووية فإن نطاقها وحدودها الجغرافي قد يغطي الكرة الأرضية برمتها وتبقى انعكاساتها وتداعياتها خالدة مخلدة في مكونات وعناصر بيئتنا، ثم تنتقل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر إلى الإنسان، ولو بعد حين.

 

ويُعزى السبب في هذا التأثير الزماني والمكاني الواسع والطويل الأمد في أن بعض الملوثات الإشعاعية أو العناصر المشعة إذا انطلقت إلى الهواء أو الماء أو التربة فإنها ستبقى مشعة تنبعث منها الإشعاعات والجسيمات القاتلة والمسرطنة لآلاف السنين، فنُصف حياتها يمتد إلى هذه الفترة الطويلة من الزمن فتستمر في الإشعاع أينما تكون.

 

وكما يقول ربُنا في محكم كتابه: “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، فعندنا قصة التسربات الإشعاعية عام 1979 من مفاعلات "ثري مايل آيلند"(Three Mile Island) في مدينة ميدل تاون في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ورأينا أمامنا الطامة العظمى التي هزت المجتمع البشري برمته ومازالت آثارها قائمة حتى اليوم، وهي التسرب الإشعاعي من مفاعل تشرنوبيل في مدينةبريبيات(Pripyat) في أوكرانيا(الاتحاد السوفيتي سابقاً) في 26 أبريل 1986، فبعد مرور أكثر من 32 عاماً مازالت الملوثات المشعة موجودة في بيئتنا ونتضرر منها دون أن نعلم بوجودها معنا، بل وإن بعض الدراسات أفادت بأن الحياة لن تعود إلى مدينة مفاعل تشرنوبيل قبل نحو 3000 عام، أي ستكون مدينة خاوية على عروشها تسكنها الأشباح طوال هذه القرون من الزمان.

 

والكارثة العصيبة التي مازالت قريبة من أذهاننا، وعميقة تأثيراتها في نفوسنا، فلا شك بأن الجميع يتذكر التسربات الإشعاعية البالغة الخطورة التي انطلقت من مفاعلات فوكوشيما النووية في اليابان في 11 مارس 2011، حيث نقلت صحيفة اليابان تايمس في 30 مارس من العام الجاري خبراً مفاده بأن كلفة وقف التسربات المشعة من أعمدة الوقود التي مازالت موجودة في المفاعلات، إضافة إلى إدارة المياه المشعة تبلغ نحو بليونين دولار سنوياً، كما يحتاج إلى أكثر من أربعين عاماً للإنتهاء من هذه المهمة المستحيلة.

 

وعلاوة على صعوبة التعامل مع التسربات وكلفتها المالية التي لا تُقدر بثمن واستغراق هذه العملية مئات السنين، فإن هناك المخلفات الصلبة المشعة التي تنجم عن هذه المفاعلات في حالة التشغيل الطبيعية، والتي عجزت حتى الآن عقول علماء الغرب التوصل إلى إدارتها بشكلٍ صحي وبيئي مستدام. وأخيراً وليس آخراً هي التعقيدات التي سيواجهها الإنسان عند الإنتهاء من العمر الإفتراضي للمفاعل والقيام بالتخلص منه ومن الوقود النووي الموجود فيه.

 

فهذه بعض المخاوف التي تراودني دائماً عندما نتعامل مع المفاعلات النووية، وآمل أن نستفيد من الخبرات والتجارب السابقة لجميع الدول النووية، سواء التي استخدمت الطاقة النووية لأغراض سلمية أو عسكرية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق