الأربعاء، 2 يناير 2019

تفاقم تهديد المخلفات في البحرين، فماذا أعددنا له؟

عصابات المافيا والجرائم المنظمة مازالتْ تعمل منذ عقود طويلة في مجال تهريب المخلفات الصلبة الصناعية وغير الصناعية، وعادة ما ينشط تجار المخلفات غير الشرعيين وعصاباتهم في الدول التي لا توجد بها تشريعات وأنظمة وقوانين في مجال تجريم التعامل غير الشرعي مع المخلفات، أو الدول التي لا تُفعِّل قوانينها من خلال وجود حكومات أو شخصيات متنفذة باعت ضميرها، وباعت أوطانها من أجل مال الدنيا الزهيد وزينتها الفانية، فتعمل على نقل المخلفات إلى أراضيها لتُدفن في برها أو بحرها.

ووجود مثل هذه الحالة على المستوى الدولي وانكشاف ظاهرة تهريب المخلفات عبر الحدود الجغرافية للدول من السر إلى العلن تؤكد بأن هناك مشكلة مستعصية وأزمة خانقة تعاني منها بعض الدول في مجال كيفية إدارة المخلفات الصلبة بشكلٍ عام، وفي بعض الأحيان تشتد حاجة هذه الدول إلى التخلص من هذه المخلفات بأية طريقة شرعية كانت أم غير شرعية لتهديدها للأمن القومي، وبخاصة عندما تكون هذه المخلفات مشعة وغير مستقرة أو قابلة للإشتعال.

ولا نريد نحن في البحرين أن نصل إلى هذه الحالة الطارئة والمؤرقة، مما يستدعي منا بشكلٍ عاجل ضرورة النظر بجدية وحَسْم إلى قضية المخلفات الصلبة غير الخطرة عامة، كالمخلفات المنزلية، وإلى المخلفات الصناعية الخطرة بشكلٍ خاص.

فالإحصاءات والتقارير الحكومية الرسمية الصادرة من المجلس الأعلى للبيئة حول كمية ونوعية المخلفات، وبالتحديد الخطرة والسامة منها تُنذر بواقعٍ أليم وحالة غير صحية، وهذه الحالة ستتفاقم وتهدد بيئتنا وصحتنا إذا لم نتحرك سريعاً لعلاجها والقضاء جذرياً عليها. فقد أكدت هذه التقارير أن مخزون النفايات الخطرة تضاعف خلال عام 2017 بنسبة 100% عن عام 2016، إذ بلغ 23 مليوناً و 759 ألف طن مقابل 11 مليوناً و 848 ألف طن، كما يفيد التقرير بأن مخلفات البلدية عام 2017 التي تشمل القمامة المنزلية والمخلفات غير الخطرة، بلغ مليونين و 124 ألف طن بمعدل يومي يبلغ 5901 طن، وبنسبة زيادة 18% عن 2016، حيث إن إنتاج الفرد من هذه المخلفات بلغ 1.5 كيلوجرام.

ولا شك بأن هذه الأرقام الكبيرة من المخلفات مقارنة بمساحة البحرين الصغيرة جداً تبعث على القلق، وتدعو إلى الخوف في الوقت نفسه، كما تثير العديد من التساؤلات حول هذه الكميات المهولة والأحجام المتزايدة سنوياً من المخلفات الصناعية وغير الصناعية.

فالسؤال الأول الذي لا يجيب عليه التقرير هو نوعية هذه المخلفات الصناعية الخطرة وطبيعتها وماهية خطورتها، فدرجة تهديدها للأمن الصحي والبيئي تختلف حسب المادة الموجودة في هذه المخلفات والتي جعلتها تُصنَّف بأنها خطرة. فأخطر نوع من هذه المخلفات الخطرة هي التي تحتوي على مواد مشعة، حيث إن بعض الملوثات المشعة تستمر في إشعاعها آلاف السنين، فخطورتها لا تنتهي بالدفن أو بطرق التخزين طويلة الأمد الأخرى، فهي تبقى خطرة تهدد المجتمع طوال قرون طويلة من الزمن. ولذلك الدول الصناعية الكبرى والمتطورة والمتقدمة تقنياً مازالت تعاني من هذه المخلفات المشعة بالرغم من أن بعضها موجود في أراضي هذه الدول منذ أكثر من ستين عاماً. فعلى سبيل المثال، يُعد موقع هانفورد للمخلفات المشعة في ولاية واشنطن الأمريكية من أخطر المواقع وأشدها تهديداً للمجتمع الأمريكي برمته، فمخلفات الدمار الشامل المشعة الموجودة هي من أيام الحرب العالمية الثانية ومن الأربعينيات من القرن المنصرم عندما شرعت أمريكا في مشروع منهاتن السري الخاص بإنتاج البلوتونيوم لاستخدامه في القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي، فهناك في أعماق الأرض السحيقة أكثر من 177 صهريجاً وبرميلاً حديدياً أصابها الصدأ والتلف وتحتوي على قرابة 56 مليون جالون من المخلفات شبه الصلبة المشعة والشديدة الخطورة والتي قد تنفجر في أية لحظة فستكون بمثابة انفجار القنبلة الذرية.

أما الاستفسار الثاني الذي يطرح نفسه هو من أين جاءت هذه المخلفات المتعاظمة؟ وما هي مصادرها؟ وكيف سمحنا لأحجام هذه المخلفات الرهيبة أن تتراكم مع الزمن ولم نجد لها علاجاً جذرياً منذ البداية؟ وكيف سمحنا لأحجام هذه المخلفات أن تتضاعف خلال سنة واحدة فقط ولم نتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمنعها من المصدر، أو في الأقل خفض كميات إنتاجها حتى لا نتفاجأ بمثل هذه الإحصائيات العصيبة؟

وأما السؤال الثالث والمشروع فهو أن مُنتج المخلفات هو المسؤول الأول عن إدارة مخلفاته والتعامل معها استناداً إلى التشريعات والأنظمة الخاصة بإدارة المخلفات الخطرة وحسب طبيعة هذه المخلفات والملوثات الموجودة فيها، فلماذا إذن لم نُلزم أصحاب هذه المخلفات في علاجها والتخلص منها؟

والسؤال الرابع فهو متعلق بالمخلفات المنزلية والبلدية، أو القمامة المنزلية، وهذه كمياتها في ارتفاع مطرد وملحوظ وستستمر ما دام الإنسان حياً يُرزق، فحتى متى نظل متخلفين وغير متحضرين في أسلوب إدارتنا لهذه المخلفات؟ فسياستنا الحالية هي "خُذوه فغلوه"، أي نقل المخلفات إلى مقابر جماعية للدفن، علماً بأنني منذ أكثر من عقدين من الزمن وأنا أسمع وأقرأ عن إنشاء مصنع لحرق المخلفات والاستفادة من الحرارة الناجمة عنها لتوليد الكهرباء، فمتى سيتحقق هذا المشروع الحيوي الأمني الهام للبحرين؟

كل هذه الاستفسارات، أَنْتظر الإجابة عنها.   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق