الخميس، 10 يناير 2019

المسؤول الأول عن الصحة في أمريكا يحذر من السجائر الإلكترونية


حذَّر بشدة المسؤول الأول والمرشد العام للصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يُطلقون عليه "الجراح العام"، وهو المتحدث الرسمي للحكومة الأمريكية حول قضايا الصحة العامة، عندما قال في 18 ديسمبر 2018: "نحن بحاجة إلى حماية صحة أطفالنا من جميع مُنتجات التبغ، بما في ذلك جميع أنواع السجائر الإلكترونية"، كما أضاف قائلاً: "كل واحد منا يستطيع أن يلعب دوراً هاماً في حماية صحة شبابنا من مخاطر السجائر الإلكترونية، وعلينا من اليوم اتخاذ الإجراءات التنفيذية الحازمة لحماية صحة شبابنا".

هذا الإعلان التحذيري الشديد اللهجة والمضمون لم يأت من فراغ وإنما كان صدى الصوت لتصريحات أخرى من أجهزة حكومية اتحادية معنية بالتدخين، وبالتحديد السجائر الإلكترونية المدمرة للصحة العامة، كما استندت هذه التصريحات النارية القوية إلى دراسات وأبحاث علمية منشورة حول أضرار السجائر الإلكترونية، إضافة إلى التقارير الحكومية الرسمية الصادرة من الأجهزة الاتحادية، ومنها مراكز التحكم ومنع المرض وإدارة الدواء والغذاء.

فعلى سبيل المثال، نشرتْ مراكز التحكم ومنع المرض دراسة ميدانية في نوفمبر 2018 تؤكد فيها على زيادة مخيفة ومقلقة في استخدام طلاب مدارس الثانوية للسجائر الإلكترونية بنسبة عالية جداً وصلت 78%، كما أكدت الإحصاءات والأرقام المنشورة في 17 ديسمبر من عام 2018 ارتفاع أعداد المراهقين المستخدمين لهذا النوع القاتل الجديد للسجائر، حيث زاد عدد الشباب والمراهقين الذين جربوا تدخين السجائر الإلكترونية 1.3 مليون شاب في عام 2018 مقارنة بعام 2017، فارتفعت النسبة من 12% عام 2017 إلى 21% عام 2018، علماً بأن العدد الإجمالي لطلاب المدارس والمراهقين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية حالياً بلغ 3.6 مليون.

أما التصريحات التي تساند وتدعم إعلان مسؤول الصحة الأول فقد جاءت على لسان رئيس إدارة الغذاء والدواء في 15 سبتمبر 2018، حيث حذَّر أيضاً بشدة وأعلن بعبارات لا لبس فيها ولا غموض وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار بأن "استخدام السجائر الإلكترونية أصبح الآن وباءً بين الشباب والمراهقين"، أي أن استخدامها انتشر بشكلٍ سريع غير متوقع في المجتمع الأمريكي، وأن تعاطيها بلغ نسباً مرتفعة جداً وصلت إلى درجة عالية يمكن أن يُطلق عليها بالوباء. كما أن هذا المسؤول الأمريكي هدد في الوقت نفسه الشركات المنتجة والمصنعة لهذه الآفة الجديدة بضرورة تقديم خطةٍ تنفيذية خلال شهرين لإبعاد الشباب عن ممارسة هذه العادة السيئة صحياً وبيئياً، كما أكد بأنه سيتخذ إجراءات قانونية لمنع النكهات والمذاقات في السجائر الإلكترونية، والتي لها دور مشهود في جذب الشباب وترغيبهم لاستخدام هذه السجائر المهلكة لصحة الشباب والأطفال.

ومما يؤكد صحة هذه المعلومات والإحصاءات وواقعيتها حول الإقبال غير العادي والمتعاظم والواسع الانتشار للشباب والمراهقين من طلاب المدارس وغيرهم على تدخين السجائر الإلكترونية، وبخاصة من النوع الذي يُطلق عليه جُولْ(Juul) والذي هو عبارة عن منتجٍ يدوي صغير جداً يشبه في حجمه وشكله "الفْلاشْ مِيموري"، أو ذاكرة الكمبيوتر التي نستخدمها الآن لحفظ البيانات والمعلومات، هو تعهد شركات التبغ العملاقة متعددة الجنسيات وعلى رأسها شركة ألتريا(Altria) التي تنتج سيجارة مارلبورو الشهيرة بالاستثمار في هذا المنتج من السجائر الإلكترونية(جول) بأكبر مبلغ في تاريخ الشركة وهو 12.8 بليون دولار، إضافة إلى شراء 35% من أسهم الشركة التي تنتج هذا النوع والموجودة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، علماً بأن "جول" يستحوذ على 70% من سوق السجائر الإلكترونية، حسب ما ورد في صحيفة الفايننشال تايمس والبلومبيرج في 21 ديسمبر 2018. 

فالسجائر الإلكترونية من المعروف الآن أنها تؤدي إلى الإدمان، حيث إن المدخن يستنشق مادة "النيكوتين" السامة والمخدرة، إضافة إلى السموم الأخرى التي يستنشقها الإنسان مباشرة بعد تسخين النيكوتين، ونحو 7000 مادة مضافة سرية لا يعلم أحد عن هويتها تستخدم لتحسين المذاق العام وإعطاء نكهات خاصة تُرضي كل الأذواق والأهواء والرغبات، ومن هذه الملوثات أيضاً المركبات العضوية السامة التي تسبب السرطان كالفورمالدهيد والبنزين ومركب "الدَاي أَسِتيل" وبعض العناصر الثقيلة كالرصاص والكروميوم والزرنيخ والكادميوم والنيكل. والأخطر من هذا كله أن الدراسات أكدت بأن لتدخين السجائر الإلكترونية أضراراً صحية مشهودة منها أنها تضاعف من مخاطر التعرض لأمراض القلب وتلف الأوعية الدموية والسقوط في السكتة القلبية، كذلك فإنها تؤثر على خلايا المخ، وبالتحديد الأجزاء التي لها علاقة بالقدرة على التخطيط واتخاذ القرار.

وأتمنى بعد كل هذه الأدلة الدامغة أن تأخذ حكومتنا ممثلة في وزارة الصحة موقفاً حاسماً وقوياً من تدخين السجائر بشكلٍ عام، ومن هذا المنتج الشيطاني الجديد الذي انتشر في الكثير من المجتمعات كانتشار النار في الهشيم بشكلٍ خاص، فليس هناك أي مبرر للانتظار، أو التأجيل في اتخاذ القرار، فالأمر بيِّن ومشهود ومكشوف أمامنا جميعاً، والوقاية خير من العلاج.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق