الأربعاء، 30 يناير 2019

استفحال وباء الشيشة في مجتمعنا

لفت انتباهي التحقيق الخطير المنشور في أخبار الخليج في 29 ديسمبر 2018، وأتمنى أنه في الوقت نفسه جذب انتباهكم أيضاً حول التهديد الصحي والاجتماعي والبيئي الذي يشكله تدخين الشيشة في مجتمعنا البحريني، وبالتحديد المتمثل في دخول أطفالنا وفلذات أكبادنا في المحلات والمطاعم والمقاهي المنتشرة في كل مكان والتي تقدم الشيشة بشكلٍ مشهودٍ متزايد وملحوظ للعيان.

وفي الحقيقة فإن هذه الظاهرة ليست بجديدة على مجتمعنا، ولكنها أخذت في السنوات القليلة الماضية في التفاقم والانتشار بدرجةٍ كبيرة ومتطرفة وبطرق شرعية وغير شرعية نتيجة لغض الجهات المعنية الطرف عنها وعن ممارساتها وتداعياتها الضارة على الجميع صحياً وبيئياً واجتماعياً واقتصادياً، كذلك بسبب غياب المراقبة والتفتيش الدقيقين والمستمرين على مقاهي الشيشة، مما يحتم الآن بعد أن طفح الكيل على الجهات المعنية والمسؤولة عن هذه الظاهرة توقف السكوت عنها وتجاهلها والتدخل مباشرة وسريعاً للحد منها وتقنينها، وإن أمكن التخلص منها كلياً وبشكلٍ نهائي واستئصالها من مجتمعنا.

فهناك انطباع خاطئ بأن تدخين الشيشة أقل ضراراً وتدميراً للصحة من تدخين سجائر التبغ التقليدية لأن السموم والمواد المسرطنة التي تنبعث من حرق التبغ تمر عبر الماء قبل دخولها في جسم الإنسان، حيث أكدت الأبحاث على أن تداعياتها على صحة المدخن والجالسين حوله تزيد ضرراً عن السجائر وتُعد أشد وطأة وتدميراً لأعضاء الجسم، كما أجمعت الدراسات المنشورة على أن الفساد الصحي والبيئي الناجم عن تدخين الشيشة كبير وعصيب ويؤثر مباشرة على الجهاز التنفسي والأوعية الدموية القلبية ويؤدي مع الوقت إلى الإصابة بأكثر من عشرة أنواع من السرطان.  

فهناك مصدران لتلوث الهواء عند تدخين الشيشة ولهما انعكاسات مباشرة تهدد صحة الإنسان، فالمصدر الأول هو استخدام الفحم لحرق التبغ، والفحم يُعد عالمياً من أقذر أنواع الوقود من ناحية كمية ونوعية الملوثات، ولذلك فإن استخدام الفحم وحرقه في حد ذاته ينبعث منه خليط معقد من المواد الكيميائية الخطرة والسامة والتي تسبب الكثير من الأمراض المزمنة والمستعصية وعلى رأسها السرطان، وأما المصدر الثاني فهو حرق التبغ نفسه، وهناك حسب الإجماع العلمي نحو 4000 مادة كيميائية مهددة لصحة الإنسان تنطلق منه، إضافة إلى أن النيكوتين الموجودة في التبغ سام ويسبب الإدمان.

فتدخين الشيشة إذن أكثر خطورة من السجائر المعروفة. فعلى سبيل المثال، عند تعاطي الشيشة ينبعث غاز سام وخانق هو أول أكسيد الكربون الذي يُطلق عليه بالقاتل الصامت، أي إنه يقتل الإنسان دون أن يشعر بذلك، وهذا الغاز يتفاعل مع الهيموجلوبين في الدم ويكون مادة الكربكسي هيموجلوبين الذي يمنع وصول الدم إلى خلايا الجسم، وقد أكدت الدراسات على أن معدل تركيز الكربكسي هيموجلوبين في دم مدخني الشيشة أعلى من مدخني سجائر التبغ. كذلك حذرت الجمعية الأمريكية للقلب في عدة مناسبات واستناداً إلى دراسات علمية ميدانية أن تدخين الشيشة في المجتمع الأمريكي تحول إلى ظاهرة وبائية يجب دراستها والحد منها، كما أكدت الجمعية بأن تدخين الشيشة يرفع من ضغط الدم في الشريان العضدي(brachial arterial) الذي يُعد من أكبر الأوعية الدموية من الطرف العلوي من جسم الإنسان، مما يؤدي مع الوقت إلى تصلب الشرايين والوقوع في الجلطة والموت البكر، وعلاوة على هذا التهديد الصحي البليغ، فإن الشيشة تزيد من نسبة دقات القلب في الدقيقة الواحدة.

ومن الدراسات التي اعتمدت عليها الجمعية الأمريكية للقلب للوصول إلى هذه الاستنتاجات الدامغة هي البحث المنشور في العدد الصادر في الثاني من أغسطس 2018، إضافة إلى البحث المنشور في 17 مارس 2016 في مجلة الجمعية الأمريكية للقلب، حيث أُجري هذا البحثان في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس وأكدا على أن تدخين الشيشة لمدة نصف ساعة فقط يولد مخاطر صحية على الأوعية الدموية القلبية وذلك من خلال قياس عدد دقات القلب في الدقيقة الواحدة، وضغط الدم، ودرجة تصلب الشرايين، وتركيز النيكوتين في الدم، وتركيز أول أكسيد الكربون في وقتين مختلفين، الأول قبل تدخين الشيشة والثاني بعد تدخين الشيشة لمدة 30 دقيقة. فتدخين الشيشة لهذه الفترة الزمنية القصيرة جداً أدى إلى زيادة حادة ومباشرة في دقات القلب وارتفاع ضغط الدم، كما زاد من تصلب الشرايين، وهذه كلها من مؤشرات وعوامل الإصابة بأمراض القلب والسقوط في هاوية السكتة القلبية.

وهذا التأثيرات المباشرة على وظيفة القلب والأوعية الدموية الناجمة عن تدخين الشيشة بشكلٍ عام، وتدخين السجائر بكل أنواعها بشكلٍ خاص والازدياد المطرد لأعداد المتعاطين للتدخين، قد يفسر ظاهرة غريبة وغير مألوفة سابقاً بدأت تنشر وتتفاقم في البحرين، والمتمثلة في ارتفاع أعداد الذين يتعرضون لأمراض القلب المختلفة، وبخاصة بين فئة الشباب في هذه السن المبكرة.

وفي الحقيقة فإن هذه الظاهرة الخبيثة والعادة السيئة موجودة في دول أخرى كثيرة، حيث قرأتُ تحقيقاً في الرابع من يناير من العام الجاري في صحيفة الإندبندنت البريطانية تحت عنوان: “تدخين الشيشة قد يكون أسوأ على صحتك من السجائر"، وهذا التحقيق ينقل معلوماته من فريقٍ علمي من كلية برايتُون وساسِيكس الطبية في بريطانيا، حيث أجرى هذا الفريق الطبي دراسة شارك فيها 9840 من مدخني الشيشة والسجائر التقليدية ومن غير المدخنين، وخرج الفريق بعدة استنتاجات منها أن تدخين الشيشة يزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكري والإصابة بالسمنة والبدانة وأنه أخطر من ناحية تهديداته للصحة من سجائر التبغ.

وبالتالي هناك إجماع علمي لدى المجتمع الطبي بأن للشيشة أضراراً متعددة الجوانب، منها الجانب البيئي، والصحي، والاجتماعي، والاقتصادي، فهل نحتاج إلى دليل أكثر لتقنين استخدامه، أو حتى منعه جذرياً من المجتمع البحريني؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق