الجمعة، 1 فبراير 2019

تفاقم مُعاناة الغرب من الخمر، فهل من مدكر؟




مازلتُ أتذكر تصريح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، فمازالتْ كلماته المـُعبِّرة والقوية ترن في مسمعي حتى اليوم، فقد وصف حالة الناس في بريطانيا بالنسبة لشرب الخمر بأنها أسوأ "آفة" تعاني منها البلاد والعباد، فقد تفاقمت الأزمة وإنتشرت على نطاق واسع وتوغلت وتجذرت بعمق في داخل المجتمع البريطاني عامة، بحيث إنه تم فقدان السيطرة عليها.

وهذا التصريح الخطير من رجل السياسة البريطاني الأول جاء كصدى الصوت لتصريحات صحية أعلنها الرئيس الطبي الأول في بريطانيا، حيث قال في الثامن من يناير 2016 بأن "شرب الخمر بأي قدر له تداعيات صحية"، أي لا يوجد حد آمن لشرب الخمر، كما يدَّعي البعض، وأضاف هذا المسؤول عن الصحة العامة في بريطانيا بأن الخمر يُعد أكبر مشكلة صحية يعاني منها المجتمع البريطاني، فهو قد تسبب في دخول 1.2 مليون بريطاني إلى المستشفيات في عام 2016، كما أكد بأن شرب الخمر يؤدي إلى تلف الكبد، ويسبب السرطان وأمراض القلب.

وهذا الوضع الصحي والاجتماعي لهذا المجتمع الغربي العريق يتطابق مع مجتمعات غربية أخرى كثيرة، والواقع الحالي الذي أشهده وأراقبه لهذه الدول يؤكد وجود هذه الظاهرة المهددة للمجتمع برمته، إضافة إلى الأبحاث والدراسات التي تُجرى حول أضرار الخمر من عدة جوانب، منها الجانب الصحي، والاجتماعي، والاقتصادي، والمروري، وكلها تشير إلى تفاقم أزمة شرب الخمر، وتعاظم تداعياتها على كافة أفراد المجتمع.

ودعوني أقدم لكم البعض اليسير من هذه الدراسات والتقارير النابعة من هذه الدول. فقد نشرت صحيفة الـ يُو إِس أيه تُوداي(USA TODAY)الشعبية والواسعة الانتشار في 20 نوفمبر من العام الجاري تحقيقاً حول معاناة الشعب الأمريكي من شرب الخمر، حيث أفادت الصحيفة استناداً على إحصاءات رسمية صادرة من وزارات معنية بأن الخمر يُهلك سنوياً قرابة88 ألف أمريكي، وهذه الأعداد تزيد سنوياً بنسبة تتراوح بين 35 إلى 50% منذ عام 2000.كذلك أجرتْ مؤسسة صحة الفم البريطانية دراسة حول سرطان الفم، ونشرت نتائجها في 16 نوفمبر من العام الحالي، حيث خلُصَتْ بأن شرب الخمر والتدخين يزيدان من احتمال الإصابة بسرطان الفم 30 مرة، كما أكدت على أن أعداد المصابين بسرطان الفم في بريطانيا من الشباب زاد بنسبة 135% خلال العقدين الماضيين.

كما نُشرت دراسة في الثالث من أكتوبر من العام الجاري في مجلة "إدمان الخمر، أبحاث كلينيكية وتجريبية" وشملت أكثر من 400 ألف مواطن أمريكي تتراوح أعمارهم بين 18 و 85، حيث أفادت بأن شرب الخمر بشكلٍ يومي يزيد من احتمال الموت المبكر بنسبة 20%، كما استنتج الباحثون بأن هناك اعتقاداً سائداً وخاطئاً لدى البعض بأن شرب كأسٍ واحد من الخمر مفيد صحياً، وبالتحديد للقلب، في حين أن نتائج دراستهم أكدت بأنه ليس هناك حداً آمناً لشرب الخمر فقليله يؤدي إلى المرض والموت المبكر. كذلك هناك دراسة غطت 195 دولة وأُجريت في الفترة من 1990 إلى 2016 وأكدت على الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة السابقة الذكر، وهي أنه لا يوجد "حد آمن" لشرب الخمر، فكل قطرة يضعها الإنسان في جسمه تُعد خطوة سامة ومهلكة للعقل والجسم، كما أكد الباحثون أن الادعاء بأن "كأساً واحداً من الخمر مفيد لصحتك هو من باب الخرافة والأساطير الزائفة". وجدير بالذكر فإن هذه الدراسة المنشورة في 23 أغسطس من العام الجاري في مجلة اللانست الطبية المشهورة تُعد أكبر دراسة طبية وأكثرها شمولية ومصداقية، وينصح الباحثون الناس في خاتمة دراستهم إلى التوقف فوراً عن شرب الخمر كلياً فلا توجد أية فوائد له. وعلاوة على ما سبق، فهناك دراسة منشورة في المجلة الطبية البريطانية في 18 يوليو من العام الجاري وتفيد بأن أعداد الموتى في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أمراض الكبد الناجمة عن شرب الخمر في ارتفاع مستمر، حيث زادت بنسبة 65% خلال الفترة من 1999 إلى 2016.

أما منظمة الصحة العالمية، وهي الذراع الصحي لسكان الأرض والخاضعة تحت مظلة الأمم المتحدة، فقد نشرتْ عدة تقارير تؤكد فيها أضرار شرب الخمر، وانعكاساتها المهلكة للفرد والأسرة والمجتمع، ومنها التقرير الأخير الصادر في 28 سبتمبر من العام الجاري، حيث أفاد بأن ثلاثة ملايين إنسان يموتون سنوياً بسبب شرب الخمر، في حين أن هذا العدد من الموتى بسبب الخمر كان أقل في عام 2016،إذ بلغ 2.3 مليون، مما يؤكد تفاقم التداعيات المميتة الناجمة عن أم الخبائث، كما أفاد تقرير المنظمة بأن 13.5% من عدد الموتى على المستوى الدولي الذين هم في العشرين من عمرهم ينجم عن شرب الخمر.

وعلاوة على تدمير الخمر للصحة البشرية، فإن الخمر يرفع من مستوى ارتكاب الجرائم وأعمال العنف والشغب في الدول، فقد أكدت تقارير وزارة الداخلية البريطانية بأن الجرائم الناجمة عن شرب الخمر والتي تقدر بنحو نصف مليون جريمة تكلف الميزانية البريطانية مبلغاً ضخماً يتراوح بين 8 بلايين و 13 بليون جنيه إسترليني، كما أن الخمر يؤدي إلى وقوع الحوادث المرورية، حيث تسبب في موت وإصابة قرابة 9700 بريطاني، أي أن نحو 5% من الحوادث المرورية تعزى إلى شرب الخمر، حسب إحصاءات وزارة المواصلات، إضافة إلى أن الخمر يضعف إنتاجية الأفراد والشركات والمؤسسات الحكومية بسبب الغياب عن العمل والناجم عن شرب الخمر والإصابة بالأمراض الناجمة عنها، حيث قدرت بريطانيا كلفة فقدان الإنتاجية بمبلغ يتراوح بين 20 إلى 55 بليون جنيه.

كل هذه الأبعاد الخطيرة والجوانب المهددة لكيان واستقرار المجتمع تنجم عن شرب الخمر، وما قدمته لكم هو على سبيل المثال فقط، وهو غيض من فيض ويمثل قطرة ماء صغيرة في بحرٍ لجي واسع متلاطم الأمواج لا ينبض ماؤه، ولا ينتهي عطاؤه، لعلنا نأخذ العبرة فنتعظ من الآخرين، ونتجنب الخمر كله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق