الجمعة، 8 فبراير 2019

برنامج منظمة الصحة العالمية وبرنامج الحكومة


اتخذَ الخبراء في منظمة الصحة العالمية في 16 يناير من العام الجاري عدة قرارات هامة مرتبطة بالصحة العامة للمجتمع البشري في كل أنحاء المعمورة، ولهذه القرارات والتوجهات علاقة مباشرة بما نعاني منه نحن في البحرين، ولذلك أتمنى من المعنيين الاطلاع عليها ودراستها بعمق، والاستفادة مما جاء فيها وبما يتناسب مع ظروفنا الوطنية، ويتطابق مع سياساتنا وأولوياتنا، ثم دمجها ضمن برنامج عمل الحكومة لعام 2019 والأعوام القادمة.

فهذه القرارات والسياسات الصحية الجديدة حددتْ قائمة بأكبر عشرة مخاطر وتهديدات رئيسة للصحة البشرية، ووضعتْ أمام العالم أهم التحديات التي تقف حجر عثرة أمام استدامة صحة الإنسان على وجه الأرض، ثم رسمت خطة تنفيذية عملية لمواجهتها خلال الأشهر الـ 12 القادمة، أي خلال هذا العام الجاري.

فقد تحولت الآن بوصلة منظمة الصحة العالمية من التركيز والاهتمام الكبيرين بالأمراض المعدية التي كانت منتشرة في القرنين الماضيين، وكانت لها الدور الرئيس في تهديد صحة الناس وهلاك الملايين من سكان الكرة الأرضية، إلى التوجه نحو الأمراض غير المعدية التي انتشرت واتضحت معالمها في نهاية القرن العشرين وتفاقمت مع بزوغ فجر القرن الحالي الجديد.

ويأتي على رأس هذه التهديدات الصحية العشرة، ويتصدر مقدمة قائمة التحديات الصحية القادمة تلوث الهواء الجوي وظاهرة التغير المناخي الناجمة عن تلوث الهواء، ثم البدانة والسمنة المفرطة والأمراض التي تنجم عنهما كالسرطان، وداء السكري، وأمراض القلب والجهاز التنفسي.

فلماذا إذن اعتبر خبراء المنظمة تلوث الهواء التحدي الأكبر للبشرية جمعاء في كل دول العالم الفقيرة منها والغنية، الصناعية المتقدمة منها والنامية المتأخرة على حدٍ سواء؟

فالسبب الرئيس هو أن الهواء في الكثير من مدن العالم الحضرية المتشبعة بالسيارات والحافلات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء تدهور بدرجةٍ ملحوظة بحيث أصبح مصدراً لمختلف أنواع الأمراض المزمنة والمستعصية كالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والقلب وداء السكري بدلاً من أن يكون مصدراً للصحة والسلامة والسعادة، فعدد أفراد المجتمع البشري الذي يتعرض لهذا الهواء القاتل في تزايد مستمر مع الوقت، فاستناداً إلى التقارير العلمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تسعة أفراد من بني البشر من بين عشرة يستنشقون ويتعرضون يومياً لهواء ملوث مسموم يسبب لهم الأمراض المزمنة والموت المبكر، فتلوث هو المتهم الرئيس عن قتل 15 مليون إنسان تتراوح أعمارهم بين 30 و 69، ونقلهم إلى مثواهم الأخير في سنٍ مبكرة، وعلاوة على ذلك فإن نحو 90% من أطفال العالم وفلذات أكبادنا يستنشقون هواءً مسموماً حسب تقرير منظمة الصحة العالمية المنشور في 29 أكتوبر 2018، أي ما يساوي 1.8 بليون طفل، ويموت منهم أكثر من 600 ألف طفل سنوياً.

وفي الجانب الآخر غير الجانبين البيئي والصحي، فإن تلوث الهواء يُرهق كاهل ميزانية الدول، ويشكل لها عبئاً إضافياً هي في غنى عنها، فتلوث الهواء من السيارات فقط على سبيل المثال، وبخاصة سيارات الديزل، يؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 7 بلايين يُورو سنوياً في دول الاتحاد الأوروبي، حسب التقرير المنشور في 27 نوفمبر 2018 من التحالف الأوروبي للصحة العامة، وهذه الخسائر الاقتصادية تأتي بسبب الأزمات الصحية الحادة والمزمنة التي تصيب الناس، فيموت نحو 38 ألف موتاً مبكراً سنوياً.

فهذا البرنامج الجديد لمنظمة الصحة العالمية والتركيز في الاهتمام على قضية تلوث الهواء ودوره في هلاك الملايين من الناس في كل دول العالم من المفروض أن ينعكس بشكلٍ أو بآخر على البرنامج الحكومي الذي وافق عليه مجلس الوزراء في الثاني من يناير من العام الجاري، فهذا البرنامج الحكومي لمملكة البحرين يجب أن لا يكون بمعزلٍ عن برامج وتوجهات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كمنظمة الصحة العالمية، فنحن أعضاء فيها وملزمون بتطبيق التشريعات والقرارات التي تتمخض عنها على المستوى الوطني والاسترشاد بما يصدر منها من توجهات وسياسات، ولذلك يقع علينا التعرف على هذه التوجهات والأهداف والسياسات الدولية في القضايا المختلفة التي تهم البشر والبيئة التي نعيش فيها، ومحاولة ضم وإدماج هذه التوجهات في برامجنا الوطنية ثم تنفيذها حسب أولوياتنا وظروفنا. 

وهذه الدعوة التي أدعو إلى النظر فيها وتطبيقها ليست من مخيلتي والمرئيات الخاصة بي، وإنما تصبُ مباشرة في الأهداف التي وضعتها الحكومة، فهي مُستوحاة بالتحديد من الهدف الثالث الذي ستسعى الحكومة إلى تحقيقه ضمن أولوياتها حول تأمين البيئة الداعمة للتنمية المستدامة، حيث يتطلبْ تحقيق هذا الهدف إلى تنفيذ ست سياسات ومبادرات من بينها المبادرة السادسة وهي تنظيم الحماية والاستدامة البيئية من خلال "مواكبة التشريعات والقوانين والاتفاقيات الدولية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق