الجمعة، 15 فبراير 2019

هل الحكومة مسؤولة عن ازدياد حالات السرطان؟ (1 من 2)


أطلعُ في وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي بشكلٍ مستمر وفي وسائل الإعلام على حدٍ سواء منذ سنوات على شكوى الناس واستيائهم من الازدياد المطرد في حالات السرطان في البحرين وإلقائهم اللوم والعتاب الشديدين على الحكومة لهذا الارتفاع المشهود، وتحميل الدولة مسؤولية تفاقم هذه الظاهرة المرضية المهلكة في بلادنا.

فهل تتحمل الحكومة فعلاً مسؤولية تعاظم وجود هذا المرض الخبيث المستعصي على العلاج في البحرين؟
وهل من العدل اتهام الدولة عن هذه الحالة المرضية المنتشرة بين المواطنين؟

ولكي أكون مُنصفاً وموضوعياً وعلمياً في الإجابة عن هذا السؤال، سأبحثُ معكم في أعماق الدراسات العلمية والأبحاث الموثوقة عن أسباب وقوع هذا المرض والمصادر التي تؤدي إلى الإصابة به، ثم بعد ذلك نستطيع أن نُلقي اللوم على الجهة المعنية بالسقوط في هذا المرض، والتي نستطيع بعد ذلك أن نتهمها بتحمل المسؤولية عن تفشي هذه الظاهرة في بلادنا. 

 أما السبب الأول في الإصابة بالسرطان، فيعترف العلماء ويُجْمعون على أن ما نُطلق عليه كمسلمين بـ "القضاء والقَدر"، ممثلاً في الجينات الوراثية التي يكتسبها الإنسان من آبائه وأجداده، يُعد من أسباب السقوط في فخ السرطان القاتل، وذلك حسب الدراسة المنشورة في المجلة المرموقة "الطبيعة" في يناير عام 2015، إضافة إلى البحث المنشور في مجلة علم الأورام للجمعية الطبية الأمريكية في يناير 2015، والذي أشار إلى أن نحو 65% من حالات الإصابة للسرطان هي لا إرادية، أي لا دَخل للإنسان نفسه في الوقوع فيها، وليست لها علاقة بما يتعرض له الإنسان في حياته من مؤثرات وملوثات، في حين أن قرابة  20 إلى 40% من حالات الإصابة بالسرطان ترجع لأسباب لها علاقة بتصرفات الفرد اليومية ونمط وأسلوب حياته. فهذا السبب إذن يؤكد بأن الحكومة لا دخل لها كلياً في إصابة المواطن بالسرطان.

وأما السبب الثاني فقد جاءت تفاصيله في البحث المنشور في مجلة "العِلم" في العدد الصادر في 24 مارس 2017 حول الأسباب المحتملة للتعرض للسرطان، تحت عنوان: “السرطان والعامل الذي لا يمكن تجنبه"، حيث غطت هذه الدراسة مَرضى مصابين بـ 17 نوعاً من أنواع السرطان ويعيشون في 69 دولة مختلفة، بلغ عدد سكانهم الإجمالي 4.8 مليار نسمة. وقد كشفت الدراسة عن سبب جديد للإصابة بهذا المرض الغامض

وهو متعلق بكيفية استنساخ الخلايا، حيث أكدت الدراسة بأن الجزء الأكبر من التغيرات التي تطرأ على الخلايا والتي تُكَون الخلايا السرطانية يكون بسبب كيفية استنساخ وانقسام الخلايا بطريقة غير مُنتظمة وبصورة عشوائية، أي حدوث طفرات وتغييرات في التركيب الجيني للخلايا لا تفسير علمي لها، أو أخطاء تقع عند انقسام الخلايا لا يَعرف تفسيرها أحد، فتتحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية، وأُطلِقَ على هذا السبب بأخطاء الاستنساخ (replication errors). وهذا العامل أيضاً لا تتحمل الحكومة مسؤوليته.

 

والسبب الثالث فهو يقع ضمن "نمط حياة الإنسان" وسلوكه وعاداته اليومية، من مأكل ومشرب وممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة البدنية. وهناك الكثير من الدراسات العملية التي ركزت على هذا الجانب، من أهمها وأكثرها مصداقية وشمولية، البحث الصادر في 19 مايو 2016 في مجلة علم الأورام للجمعية الطبية الأمريكية، حيث ركزت على نمط حياة الإنسان وممارساته اليومية، وأطلقت عليه بـ "العادات غير الصحية"، أو "نمط الحياة غير الصحي". ولقد حَدَّدتْ الأبحاث هذه العادات السيئة في الممارسات التالية:
أولاً: التدخين بأنواعه وأشكاله ومسمياته المختلفة يُعد من أهم أسباب الإصابة بالسرطان، حيث إن هناك اجماعاً دولياً على أن هناك قرابة 4 آلاف مادة كيميائية خطرة تنبعث من تدخين السجائر، منها أكثر من 50 مادة تؤدي إلى السقوط في مخاطر التعرض لهذا المرض العضال، كما أن هناك إجماعاً على أن التدخين يسبب 12 نوعاً من أنواع مرض السرطان، وفي مقدمتها سرطان الرئة. فعلى سبيل المثال، أكد البحث المنشور في 24 أكتوبر من 2017 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (الطب الباطني) أن 30% من الأمريكيين الذي يسقطون ضحية مرض السرطان يكون بسبب التدخين.
ثانياً: شرب الخمر، وهذا هو الوباء الذي أَطلق عليه رسولنا بأم الخبائث، فهو المسبب لأمراض كثيرة من بينها المرض الخبيث، السرطان.
ثالثاً: التعرض للأشعة فوق البنفسجية القاتلة، سواء من خلال الجلوس تحت أشعة الشمس لساعات طويلة كل يوم، أو التعرض لمصابيح الأشعة فوق البنفسجية عند القيام بالعمليات التجميلية لتغيير لون البشرة إلى اللون الذهبي أو البرونزي والتي يُطلق عليها الآن بـ "التانينج"، حيث أكد الأطباء بأن هذه المصابيح تصيب الإنسان بنوعٍ قاتلٍ وفريد من أنواع سرطان الجلد ويعرف بالمِلانُومَا.
رابعاً: السُمنة والبَدانة المفرطة والكسل المستدام وعدم ممارسة أي نشاطٍ رياضي عضلي يؤدي مع الزمن إلى زيادة مخاطر السقوط في شباك مرض السرطان.
خامساً: التعرض للملوثات في الهواء الجوي الناجمة عن السيارات ومحطات توليد الكهرباء، علماً بأن منظمة الصحة العالمية صَنَّفتْ "تلوث الهواء" ضمن المواد المسببة للسرطان.
سادساً: نوعية وكمية الغذاء الذي يتناوله الإنسان بشكلٍ يومي، حيث إن المعلبات والمواد الغذائية غير الطازجة تحتوي على مواد حافظة ومضافات كثيرة أخرى، بعضها يعرض الإنسان للإصابة بالسرطان.

وكل هذه العوامل التي ذكرتُها سابقاً، باستثناء تلوث الهواء، ليس للحكومة أي دور أو مسؤولية في إصابة المواطن بالسرطان، فبأيدينا نستطيع أن نتجنب التدخين ونتوقف عن حرق البخور والعود في منازلنا، وبأيدينا نتمكن من أن نمتنع عن شرب الخمر، وبقدرتنا تناول الغذاء الجيد باعتدال من الناحيتين النوعية والكمية، وبمحض إرادتنا نستطيع أن نمارس الألعاب الرياضية.

وبالرغم من هذا كله إلا أن هناك مسؤوليات جمة يجب أن تتحملها الحكومة في إدارة هذا المرض العضال والحد منه ومنعه كلما أمكن، ويقع عليها عبء حماية صحة المواطن. وأُلخص هذه المسؤوليات في النقاط التالية: أولاً على الحكومة منع أو تقنين مصادر وأسباب الإصابة بالسرطان، وعلى رأس القائمة التدخين بأنواعه المختلفة، ثم شرب الخمر وتناول والمواد الغذائية المعلبة التي تحتوي على مواد مسرطنة. ثانياً على الدولة العمل بحزم وجدية في خفض أو منع انبعاث الملوثات من مصادرها المختلفة مثل السيارات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصانع. ثالثاً تغيير المناهج الدراسية على كافة مستوياتها للتشجيع على ممارسة السلوكيات الصحية ونمط الحياة المستدام منذ الصغر. رابعاً قيام وزارة الصحة بتشجيع المواطنين على الكشف المبكر، وتوفير الأجهزة والمعدات الحديثة الخاصة بالتشخيص وعلاج هذا المرض، إضافة إلى تدريب الأطباء والممرضين ورفع مستواهم للتعامل بسرعة وفاعلية أكثر لمكافحة هذا المرض.

وختاماً فإن المسؤولية في التعامل مع ظاهرة انتشار مرض السرطان يجب أن تكون جماعية ومشتركة، وعلينا كُلنا أن نلعب دوراً إيجابياً ومؤثراً في القضاء عليها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق