الاثنين، 11 فبراير 2019

ملاحظات على برنامج عمل الحكومة (2019-2022)


إنه حقاً لتطور مشهود ومشكور أن تكون لحكومتنا الموقرة مرئيات وسياسات وتوجهات واضحة تسير على هديها وتستضيء بنورها للسنوات المقبلة في المستقبل المنظور بدءاً من عام 2015، وإنه حقاً لجهد عظيم أن تنعكس هذه السياسات والمبادرات الحكومية في برنامج عمل شامل وحَديثْ تعتزم تنفيذه خلال السنوات الأربع القادمة من عام 2019 إلى 2022.

وبعد الاطلاع على هذا البرنامج الحكومي الطموح أود أن أُقدم بعض الملاحظات والمرئيات حول القضايا  والأولويات التي أُثيرت في البرنامج بدءاً بالعنوان وهو: "أمن اقتصادي واجتماعي مستدام في إطار توازن مالي".

فقد تعودتُ عندما أَقومُ بامتحان طلبة الدراسات العليا في الجامعات، سواء أكانت رسائل الماجستير أو الدكتوراه، فإن أول عملٍ أقوم به لتفحص الرسالة وتدقيق محتواها العلمي هو التأكد من أن العنوان يعكس متن الرسالة، ويترجم كل ما هو موجود داخل الرسالة، فالعنوان يجب أن يكون مختصراً، ودقيقاً، وواضحاً، ومفهوماً للقارئ، ويعطي صورة أولية لما قام به الباحث من إنجازات وتجارب وأعمال علمية.  

فعنوان برنامج العمل الحكومي يؤكد على رؤيته وعزمه في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي ولكن دون الإشارة إلى تحقيق "الأمن البيئي" الذي لا يمكن بدونه الوصول إلى هدف تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وتوفير المناخ والبيئة الاستثمارية المناسبة لاستقطاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال في البلاد، فلا أمن ولا سلام ولا استقرار ولا استثمار مستدام بدون تحقيق الأمن البيئي جنباً إلى جنب مع البعدين الاقتصادي والاجتماعي. كذلك فإن العنوان لا يتوافق مع ما جاء في متن برنامج العمل الحكومي الذي أورد وركز على مصطلح "التنمية المستدامة" مراتٍ كثيرة عند التطرق إلى جميع محاور وأهداف البرنامج، حيث إن التنمية المستدامة الشاملة لا يمكن بلوغها والوصول إليها إلا بعد تحقيق الأمن البيئي والاجتماعي والاقتصادي معاً دون تمييز أو تفريق أو تهميش لأحدهما على حساب الآخر.

فقد أكدتْ الحكومة من خلال برنامج عملها على تحقيق عدة أهداف عامة من أهمها "المحافظة على مجتمع يسوده الأمن والاستقرار"، ولذلك فتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد جاء في المرتبة الأولى في أولويات برنامج الحكومة، حيث أكد البرنامج على أن "تعزيز منظومة الدفاع وتوفير مجتمع يسوده الأمن والاستقرار اللذان يمثلان الأساس لعملية التنمية" يأتي على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة.

وقد أكدت الدراسات والبحوث العلاقة القوية التي تربط بين تحقيق الأمن العام والاستقرار في البلد وحماية البيئة ورعاية مواردها وثرواتها الفطرية الحية وغير الحية من الفساد من الناحيتين الكمية والنوعية، إضافة إلى مكافحة الظواهر والمشكلات التي تنجم عن تدهور مكونات البيئة لتوفير الأمان وتحقيق الاستقرار، وبخاصة تلوث الهواء وانكشاف ظاهرة التغير المناخي والانعكاسات التي تنجم عن وقوعها مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض وارتفاع مستوى سطح مياه البحر. وقد أثبتتْ تقارير البنتاجون، أو وزارة الدفاع الأمريكية حقيقة العلاقة بين الأمن وتلوث البيئة، وبالتحديد من ظاهرة التغير المناخي، حيث نَشرتْ وزارة الدفاع الأمريكية عدة تقارير دورية متتالية كان آخرها الصادر في 18 يناير من العام الجاري تحت عنوان: "تأثيرات التغير المناخية"، وأكدت فيه التهديدات الأمنية التي تمثلها تداعيات التغير المناخي على الأمن القومي الأمريكي، وبالتحديد على القواعد الأمريكية الساحلية في مختلف دول العالم. فمشكلة التغير المناخي تسبب حدوث الفيضانات في المناطق الساحلية والتي تدمر كل المنشآت والمرافق الموجودة على الساحل، سواء أكانت سكنية، أم سياحية، أم أمنية عسكرية، حيث خلص التقرير إلى استنتاجٍ خطير جداً وجاء فيه بأن "تأثيرات التغيرات المناخية تُعد قضية أمن قومي، ولها مردودات خطيرة على المهمات التي تقوم بها وزارة الدفاع وعلى خططها التشغيلية وعلى منشآتها".

وحيث إننا مجموعة من الجزر الواقعة على مستوى سطح البحر، ومعظم مكتسباتنا التنموية الصناعية والسكنية والتجارية والسياحية واقعة مباشرة على الساحل، فعلينا من أجل حماية هذه المكتسبات والحفاظ عليها وعلى استدامة عطائها أن نجعل حماية عناصر البيئة ضمن الأولويات القصوى لمملكة البحرين وأن ينعكس هذا الاهتمام جلياً على برنامج الحكومة على شكل خطوات تنفيذية واضحة المعالم من ناحية الزمن واعتماد الميزانيات المناسبة لكي تصب مباشرة في تحقيق هذا الأمن البيئي.

وعلاوة على هذه التقارير فإن المشاهد الحية التي عاصرناها قريباً تؤكد هذه العلاقة بين التلوث والأمن العام وتبين أن تدهور البيئة يعد من العوامل التي تسهم في زعزعة الأمن والاستقرار ونشوب أعمال الشغب والعنف، ومنها المظاهرات العارمة الساخطة والاحتجاجات العنيفة التي خرجت في لبنان في سبتمبر 2015 واستمرت عدة سنوات بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة، إضافة إلى الوضع البيئي المتدهور ، والذي تمثل في سوء إدارة القمامة والمخلفات المنزلية الصلبة وتركها جبالاً من القمامة تلوث الأحياء والمناطق السكنية وتعرض المواطنين للأمراض والأسقام. ونظراً لخطورة هذا التهديد البيئي للاستقرار أكد رئيس الوزراء اللبناني في الرابع من فبراير من العام الجاري عن أولوية حكومته في التعامل مع هذه الأزمة البيئية الأمنية، كما صرح بذلك أيضاً وزير البيئة في الحكومة الجديدة بأن أزمة المخلفات ستكون في مقدمة الأولويات. 

وختاماً أتمنى من برنامج العمل الحكومي أن يتحول الآن إلى مرحلة التنفيذ على الواقع من خلال تكليف كل جهة حكومية معنية لتحديد آلية وأدوات تطبيق كل برنامج، ثم وضع خطوات العمل التفصيلية والمدة الزمنية التي ستستغرقها، والأهم من ذلك كله تخصيص الميزانية المطلوبة للتنفيذ، ونشر كل هذه المعلومات في وسائل الإعلام في وثيقة رسمية ثانية لكي تكون المتابعة والمراقبة من قبل الشعب، إضافة إلى الحكومة نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق