الخميس، 25 أبريل 2019

السجائر الإلكترونية تفسد القلب


شركات التبغ والسجائر متعددة الجنسيات تعتبر السجائر الإلكترونية التي تبيعها الآن بكثافة إلى الناس هدية تقدمها للبشرية حفاظاً على صحة الناس وحماية لهم من الأمراض والعلل التي تسببها سجائر التبغ التقليدية، وهي بهذا المنتج الشيطاني الجديد تدَّعي بأنها تُنقذ الناس من شر سجائر التبغ وأهوال الأمراض التي تصاحبها وتحرص على تجنيب الناس الموت المبكر بسبب تدخينها. فهذه الشركات تُسوق السجائر الإلكترونية على أنها البديل الصحي والآمن والأفضل من سجائر التبغ القاتلة، وأنها في الوقت نفسه تساعد المدخن على العزوف عن تدخين سجائر التبغ والتوقف كلياً عن التدخين بعد سنوات قصيرة من تدخين السجائر الإلكترونية!

ومن أجل إقناع الناس بهذه الادعاءات، قامت بتجنيد كل مُرتزقيها في كل مكان وكل جنودها المجهولين حول العالم من رجال السياسة والنفوذ، ومن الإعلاميين الذين يبيعون أقلامهم بمالٍ زهيد، ومن بعض العلماء الذين يبحثون دائماً عن من يمول أبحاثهم ودراساتهم. كما أنها في الوقت نفسه تستخدم كل الوسائل والحيل الشرعية وغير الشرعية لكسب هذه الحملة الإعلامية، وتستغل أية ثغرة في قوانين الدول للنفوذ منها وترويج بضاعتها، وقد أكدت مجلة الشبيجل الألمانية على هذه الحقيقة عندما نشرت تحقيقاً في 25 سبتمبر 2018 حول تحايل هذه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات واستخدامها لأساليب التضليل والخداع لتسويق منتجاتها، كما أفاد التقرير إلى أن هذه الأساليب والوسائل الشيطانية المبدعة تتكيف مع قوانين الدول وأنظمتها، وتتغير حسب نوعية الحكومات ووعي الناس وقوة الجمعيات الأهلية، فهي بذلك لها القدرة الفاعلة والمرونة الشديدة في تغيير لون جلدها حسب الظروف والأجواء السياسية والقانونية والاجتماعية في كل دولة من دول العالم. وقد أكدت صحيفة النيويورك تايمس على هذه الاستنتاجات في التحقيق المنشور في 15 مارس من العام الجاري، حيث أفاد التحقيق بأن شركات السجائر تستخدم كل وسائل وأدوات التسويق المتاحة وتوجه إعلاناتها نحن كل الفئات العمرية، ولا سيما الأطفال.

وقد نجحت بالفعل حملات التسويق والترغيب في إقناع فئة كثيرة من المجتمع، وبخاصة بين الشباب لاستخدام السجائر الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، التقارير الحكومية الصادرة عن إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية في 15 نوفمبر 2018 أكدت بأن هناك ارتفاعاً بنسبة 77% في تدخين السجائر الإلكترونية بين طلاب المرحلة الثانوية، و 50% بين طلاب المرحلة الإعدادية، أي أن عدد مدخني السجائر الإلكترونية بين طلاب المدارس بلغ 3.6 مليون في عام 2018 مقارنة بمليون شاب في عام 2017، كما أفاد التقرير المنشور في مارس من العام الجاري من عيادة الإدمان البريطانية بأن أطفال بريطانية من طلاب المدارس وممن يبلغون 14 عاماً أصبحوا مدمنين على السجائر الإلكترونية نتيجة لاستنشاقهم المباشر للنيكوتين المعروف بأنه يسبب الإدمان عند الإنسان.

وقد انتبه العلماء إلى كل هذه المظاهر والحقائق وأجروا دراسات لدحض افتراءات شركات التبغ وادعاءاتهم الباطلة، منها دراسات بيئية حول الملوثات السامة والخطرة والمسرطنة التي تنبعث عند تدخين السجائر الإلكترونية، ومنها الأبحاث المتعلقة بإفساد هذه السجائر لصحة الإنسان، وإضعاف بدنه وتعريضه للأمراض المزمنة.

وسوف أرُكز هنا على الجانب الصحي للسجائر الإلكترونية. فهناك دراسة منشورة في مجلة الجمعية الأمريكية للطب في الأول من فبراير من العام الجاري وتفيد بأن تدخين السجائر الإلكترونية يزيد من احتمال الوقوع في فخ تدخين سجائر التبغ التقليدية المعروفة بأربعة أضعاف وبالتحديد بين المدخنين من الفئات العمرية  12 و 15 عاماً، مما يؤكد زيف وضلال شركات التبغ التي تؤكد بأن السجائر الإلكترونية تؤدي إلى التوقف عن التدخين كلياً.

كما أشارت دراسة أخرى شارك فيها أكثر من 96 ألف أمريكي وعُرضت في المؤتمر السنوي للكلية الأمريكية لطب القلب في الفترة من 16 إلى 18 مارس من العام الحالي في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، والذي يجمع علماء وأطباء القلب من كل أنحاء العالم تحت سقف واحد للاطلاع على آخر المستجدات العلمية والاكتشافات التقنية المتعلقة بهذه المضْغة الصغيرة الموجودة في جسم الإنسان والتي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وهي قلب الإنسان، إضافة إلى مناقشة مصادر الإضرار بوظيفة القلب وأدائه وتدهور صحته، حيث أكدت نتائج الدراسة بأن المدخنين للسجائر الإلكترونية تزيد وترتفع عندهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والنوبة القلبية مقارنة بغيرهم من غير المدخنين، فالمدخن تزيد عنده نسبة مخاطر النوبة القلبية إلى 34% مقارنة بغير المدخنين، كما أن نسبة إصابته بأمراض الأوعية القلبية تزيد 25%، إضافة إلى ارتفاع احتمال معاناته من الاكتئاب والقلق بنسبة 55%.
وانطلاقاً من هذه الحقائق العلمية حول إفساد السجائر الإلكترونية لصحة الإنسان، وبخاصة لأهم عضو في جسم الإنسان، وهو القلب، فقد اتحدت الجمعيات الطبية المعنية بالصحة العامة مثل الجمعية الأمريكية للقلب، والجمعية الأمريكية للرئة، والأكاديمية الأمريكية للأطفال، والجمعية الأمريكية للسرطان، وطالبت الحكومة الأمريكية بسحب السجائر الإلكترونية من الأسواق كلياً، وبخاصة النوع الأكثر شعبية بين الأطفال والمعروف بجول(Juul)، علماً بأن مدينة سان فرانسيسكو ستمنع كلياً بيع السجائر الإلكترونية حسب ما ورد في صحيفة اليُو إِس أيه تُوداي(أمريكا اليوم) في العشرين من مارس من العام الجاري، وستكون بذلك أول مدينة تمنع هذه الآفة من الأسواق.
ولذلك أما آن لنا في البحرين أن نتخذ قرارات مماثلة حماية لفلذات أكبادنا خاصة، وحفاظاً على صحة المواطنين عامة، ونتبع الحكمة الطبية القائلة "الوقاية خير من العلاج"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق