السبت، 27 أبريل 2019

أين البيئة في القمم العربية؟


هناك قرابة ثلاثة آلاف اتفاقية بيئية تغطي جوانب مختلفة من الهم البيئي العام، منها معاهدات ثنائية بين بلدين، ومنها إقليمية تغطي مجموعة من الدول تهتم بقضية مشتركة محددة، ومنها دولية تشمل كافة دول العالم، فكل معاهدة أو اتفاقية تسعى للتصدي لقضية بيئية تشترك بها دولتان، أو أكثر، أو كل دول العالم بدون استثناء.

فإذا كان السبب في بُروز المشكلة البيئية دولتين فقط وتأثيرها يقع عليهما دون الدول الأخرى فتتم صياغة اتفاقية بينهما بحيث إن كل دولة تتحمل مسؤولياتها في العلاج وتقوم بدورها في حل المعضلة البيئية، وفي المقابل إذا كانت مجموعة من الدول المتجاورة معنية بمشكلة بيئية فالاتفاقية تكون إقليمية، وأخيراً إذا كانت تأثيرات أية قضية بيئية تقع على الكرة الأرضية برمتها ففي هذه الحالة تجتمع كل دول العالم لتحمل واجباتها تجاه حماية كوكبنا الوحيد.

فعلى سبيل المثال هناك معاهدة بين قارتين هما أوروبا وأفريقيا لحماية الطيور الأوروبية الأفريقية المهاجرة بين دول أوروبا وأفريقيا، فعلى كل دولة حماية هذه الطيور عندما تنزل عندها "ترانزيت" لفترة من الزمن، ثم تبدأ بالرحيل إلى دولةٍ أخرى، وهناك أيضاً اتفاقية أوروبية حول تلوث الهواء عبر الحدود الجغرافية لدول القارة الأوروبية، واتفاقية ثانية لحماية الحياة الفطرية والبيئات الطبيعية. كما أن هناك اتفاقيات بين الدول المشتركة في البحار، مثل اتفاقية حماية مياه الخليج العربي ومياه البحر الأحمر. وعلاوة على ذلك فهناك الكثير من المعاهدات الدولية الجامعة لكل دول العالم مثل التغير المناخي والتنوع الحيوي واتفاقية بازل حول نقل المخلفات الخطرة وبروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون واتفاقية سايتس حول التجارة في الكائنات الحية الفطرية النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض واتفاقية ميناماتا حول الزئبق.

فكل هذا الكم الكبير من الاتفاقيات والمعاهدات البيئية تؤكد على أهمية الشأن البيئي وأن أية دولة لوحدها لا تستطيع حماية بيئتها لانتقال الملوثات عبر الهواء والمسطحات المائية من موقعٍ إلى آخر قد يكون بعيداً عنه آلاف الكيلومترات، فهذه الظاهرة تثبت حتمية التعاون والتنسيق بين الدول على كافة المستويات لمنع وعلاج القضايا البيئية المصيرية التي تهم كل كائنٍ حي يعيش على وجه الأرض، وتهدد استدامة حياة الإنسان وتنميته، فأين الجامعة العربية على مستوى القمة من المصير البيئي المشترك؟

فمنذ تأسيس الجامعة العربية في مارس عام 1945 تم عقد 47 قمة بينها 30 قمة عادية، و 13 قمة طارئة فضلاً عن أربع قمم اقتصادية، وكان آخر قمة عادية في تونس في 31 مارس من العام الجاري، وكانت قرارات هذه القمم في مجملها أمنية وسياسية تعالج مشكلة أو قضية آنية على المستويين العربي الإقليمي أو الدولي، وفي الواقع فإنني حتى عام 1972 لا أتوقع وجود أي أثرٍ لأي قرارٍ بيئي في هذه القمم، حيث إن الشأن البيئي كان أيضاً غائباً كلياً عن المشهد الدولي الحكومي الرسمي، حتى جاء مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية في ستوكهولم عام 1972 ووضع هموم البيئة ضمن جدول أعمال المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة، ثم عُقدت قمة الأرض حول البيئة والتنمية عام 1992 فجسَّدت القضايا البيئية على شكل اتفاقيات تم التوقيع عليها كالتنوع الحيوي، ومكافحة التصحر، والاتفاقية الإطارية حول التغير المناخي، وجدول أعمال القرن الحادي والعشرين والاعتراف بمفهوم التنمية المستدامة وتعميمها على دول العالم كسياسة عامة ومنهج جديد للقيام بالأنشطة التنموية.

ولذلك من المفروض بعد عام 1992 أن تُشرق شمس البيئة في قرارات القمة العربية استجابة ومواكبة للتغيرات البيئية الرسمية المتلاحقة على الساحة الدولية، ولكن هذا ما لم يحدث على مستوى الأحداث البيئية العصيبة والقضايا البيئية المتزايدة التي تتخطى الحدود الجغرافية، فالقرارات والتوجهات التي اتخذتها القمم العربية لا ترقى إلى هذا المستوى، ولا تلاحق حجم الأضرار البيئية والصحية التي تنجم عن إهمال البيئة، فمعظم القرارات مازالت حتى قمة تونس في مارس من العام الجاري سياسية وأمنية بحتة، وجاءت السياسات والقرارات البيئية يتيمة وهامشية وعامة وبعيدة عن التطلعات البيئية الواقعية. فعلى سبيل المثال، اعتمدت القمة العربية في تونس عام 2004 مبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية، ثم اعتمدت قمة الجزائر في 23 مارس 2005 مخطط تنفيذها. كما شمل البيان الختامي لقمة الجزائر في أحد بنوده على إنشاء قمر صناعي عربي لمراقبة كوكب الأرض من النواحي البيئية، وهذا المشروع لم ير النور إلا من خلال قمة تونس التي رحبت بمبادرة نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم دبي، بتخصيص مشروع قمر صناعي يعمل عليه العلماء العرب، ولا يشير القرار إلى التطبيقات البيئية لهذا القمر الصناعي. وفي قمة سرت في ليبيا عام 2010 جاء في البند (15) تحت عنوان: التنمية والبيئة وحقوق الإنسان، "التأكيد على تبني سياسات فعالة للتعامل مع قضايا تغير المناخ والحفاظ على البيئة في كل المجالات الوطنية والإقليمية للتنمية المستدامة واتخاذ موقف موحد من مفاوضات تغير المناخ بما يكفل حقوق شعوبنا في تأمين مواردنا الوطنية وقدراتنا على تحقيق التنمية وبما يصون كوكبنا وحياة الإنسان عليه"، وهذا كما هو واضح بند عام لا جدوى تنفيذي منه. وأخيراً وافقت قمة الظهران عام 2018 على الاستراتيجية العربية للصحة والبيئة والدلائل الإسترشادية للعمل، وحددت هذه الاستراتيجية تسع أولويات لصحة البيئة في مجال المياه وتلوث الهواء وسلامة الغذاء والسلامة الكيماوية وإدارة النفايات والطوارئ الصحية إضافة إلى التغير المناخي والتنمية المستدامة والصحة المهنية.
وجدير بالذكر أن مجلس الجامعة العربية قرر في 22 سبتمبر 1987 إنشاء مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة من أجل التنسيق والتعاون في كافة مجالات البيئة والتنمية المستدامة، ولكن مع الأسف فإن معظم قرارته لا تنفذ على أرض الواقع كما هو الحال بالنسبة للعمل العربي المشترك في المجالات الأخرى، حتى إن القرارات التي تُرفع إلى القمة العربية لاعتمادها تظل في أرشيف قرارات القمة.
لذلك فالقرارات البيئية التي تمخضت عن القمم العربية والتي تُعد على الأصابع منذ 74 عاماً لا تلاحق التطورات المتلاحقة والمتعاظمة للشأن البيئي على كافة المستويات، وفي الواقع فإن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها القمم العربية لا تكمن فقط في نُدرة القرارات البيئية وإنما في عدم تنفيذ القرارات بشكلٍ عام، سواء أكانت بيئية، أو قرارات أخرى في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق