الثلاثاء، 17 مارس 2020

منع الشيشة في سنة الكورونا فقط!


نقلتْ وسائل الإعلام في البحرين بياناً مكتوباً عن جمعية مكافحة التدخين البحرينية حول مطالبة الجمعية بإيقاف تقديم الشيشة لمنع تفشي مرض فيروس كورونا، وجاء في البيان بأنه انطلاقاً من دافع الحرص على المصلحة العامة ودعماً للجهود المبذولة للحد من انتشار وباء كورونا، تُهيب جمعية مكافحة التدخين البحرينية وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني بضرورة اتخاذ التدابير لإيقاف تقديم الشيشة في المقاهي والمطاعم ودور السينما "مؤقتاً"، وذلك كإجراء احترازي حفاظاً على صحة المواطنين والمقيمين من سرعة انتقال العدوى، وذلك تماشياً مع الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتخذتها مملكة البحرين لمنع انتشار هذا الوباء، وعليه فإن جمعية مكافحة التدخين ترى بأن إيقاف تقديم الشيشة "مؤقتاً" سيُساهم في دعم الجهود المبذولة في الحد من انتشار فيروس كورونا، كما تتفق الجمعية مع المقترح المقدم من أحد أعضاء مجلس النواب الذي دعا إلى الإسراع بمنع استخدام الشيشة في كافة مقاهي البحرين حماية للصحة العامة والناس وذلك أسوة بالدول التي بادرت بإغلاق مقاهي الشيشة بصورة "مؤقتة".

وإنني شخصياً أتفق مع كل ما ورد في هذا البيان، ولكن أُريد التركيز على كلمة "مؤقتاً"، والتي ذُكرتْ عدة مرات في الإعلان، وتم التركيز عليها بشكلٍ واضح في أن مطلب ودعوة جمعية مكافحة التدخين البحرينية لا تسعى إلى منع تقديم الشيشة في الأماكن العامة بصورة جذرية شاملة وفي كل وقت من أيام السنة، وإنما إجراء طلب المنع يكون بصفة "مؤقت"، ويُطبق فقط في حالة استمرار نزول هذه الغمة على الشعب البحريني، ثم إذا أنعم الله علينا بالصحة والسلامة، وأزال عنا هذا الكرب المرضي العظيم فلا مانع من إعادة تقديم الشيشة كما هو عليه الحال الآن.

أما بالنسبة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية والأخذ بكافة الأسباب لتجنب انتشار وباء مرض كورونا في بلادنا، فهذا أمر حتمي لا مفر منه ويجب القيام به، فوباء كورونا العالمي يشهده الآن كل صغيرٍ وكبير، وغني وفقير، ووقع في شباكه القاتلة كل دولة في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت صغيرة وبسيطة كدولة الفاتيكان، أو عظيمة وغنية ومتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، وسواء أكانت فقيرة وشديدة التخلف والتأخر، أو كانت من أكثر دول العالم ثراءً وتطوراً ونمواً، فهذا الفيروس الكوروني الجديد لم يميز بين الضعيف والقوي، أو السليم والعليل، فلم يدع أحداً إلا وأصابه بلدغته المسمومة القاتلة حتى نزل على 142 دولة وبلغ عدد الحالات أكثر من 155 ألف على المستوى العالمي، مات منهم 6000، مما جعل كافة دول العالم بدون استثناء تشمر عن ساعديها لمواجهته والتصدي له والقضاء عليه، بل وإن بعض المدن والدول اتخذت تدابير صارمة وحازمة كإيطاليا والكويت وإسبانيا وغيرها التي أعلنت عن وضع الشعب كله، أي ملايين البشر في السجن والحجر الصحي العظيم، علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في 13 مارس حالة الطوارئ الصحية.

 

فإجراء منع تقديم الشيشة المقترح من جمعية مكافحة التدخين البحرينية يهدف إلى منع التجمع في هذه المقاهي وأماكن تقديم الشيشة لتجنب انتقال العدوى بين الجالسين في المقهى، وبالتالي منع إصابتهم بفيروس كورونا الذي يُعرض الإنسان للمرض وقد يؤدي به إلى الموت، وكأن تقديم الشيشة في حد ذاتها لا غبار عليه من الناحية الصحية ولا يضر بمرتادي المقهى، سواء أكانوا من المدخنين أو الجالسين في مواقع تعاطي الشيشة!

كما أن بيان الجمعية يؤكد على أن هذا الإجراء المقترح بمنع الشيشة هو "مؤقت" ومرتبط بمرض فيروس كورونا، وكأن البيان يستحي ويخجل من الدعوة إلى حظر الشيشة كلياً في البحرين، سواء في الضراء عند نزول هذه الكارثة الصحية، أو في السراء عند زوالها.

فكما أن فيروس كورونا يُسقط الإنسان في المرض وقد يودي به إلى الموت المبكر، فكذلك الحال بالنسبة للتدخين عامة والشيشة بصفةٍ خاصة، فهو يعرض المدخن ومن معه من الجالسين حوله لأمراض مستعصية وعلى رأسها 14 نوعاً من السرطان وينقل المدخن إلى مثواه الأخير في سنٍ مبكرة، فالمرض واحد، والموت واحد، سواء أكان سببه فيروس كورونا أو سببه التدخين.

وأقدم لكم هنا بياناً واحداً فقط من بين آلاف البيانات التي صدرت من الجمعيات المهنية الطبية والبيئية المتخصصة في دول العالم حول أضرار الشيشة على المجتمع عامة وعلى الفرد خاصة، وأنها أداة مدمرة تفسد صحة الإنسان كلياً، وتدعو هذه البيانات إلى منع التدخين عامة. فقد نَشرتْ جمعية القلب الأمريكية بياناً معمقاً ومفصلاً على شكل دراسة شاملة في مجلة الدورة الدموية(CIRCULATION) التابعة لها في الثامن من مارس 2019، تحت عنوان:" تدخين الشيشة ومخاطر أمراض الأوعية القلبية". وهذا البيان شمل كل ما هو متعلق بظاهرة الشيشة على المستوى الدولي، سواء من ناحية عدد المدمنين عليها، أو أسباب الإقبال الشعبي عليها وبخاصة بين فئات الشباب والمراهقين، وأهم الانطباعات الخاطئة والمفاهيم الضالة حول تعاطي الشيشة، إضافة إلى كافة الأبعاد الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنها. ومن النقاط التي وردت في البيان ما يلي:
أولاً: هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى سرعة انتشار الشيشه في العالم، وبخاصة بين فئة الشباب من الذكور والإناث، وكلها تصُب في المفهوم الخاطئ الذي يحمله هؤلاء الشباب، أو الانطباع غير السليم حول الشيشة. فبعض مدخني الشيشة يعتقدون بأنها أقل ضرراً من الناحية الصحية من السجائر لأن الملوثات يتم ترشيحها عند المرور في الماء، أو يظنون بأن تدخين الشيشة لا يؤدي إلى الوقوع في مخاطر الإصابة بالإدمان لأنهم لا يدخنون كل ساعة يومياً كما هو الحال بالنسبة للسجائر، وهذه الانطباعات والمفاهيم المضللة تجعل المدخن يستصغر ويستهين بالشرور الصحية التي تنجم عن تدخين الشيشة، فيقع سريعاً في فك الإدمان ولا يتمكن بعد ذلك من التخلص منه. كما أن من أسباب وقوع صغار السن في شباك الشيشه هي النكهات الموجودة في الشيشة والتي لا تُعد ولا تحصى وتُرضى كل الأهواء والرغبات، فهذه الروائح العطرة والمميزة من الفواكه والحلويات التي تنبعث أثناء التدخين تُعد عامل جذبٍ وتشجيع نحو التدخين، أو في الأقل تدعوك هذه الروائح إلى حب الاستطلاع والاستكشاف والتجربة ولو مرة واحدة. كما إن الدراسات أفادت إلى وضع المخدرات والخمر في الشيشة في بعض الحالات التي تم رصدها.
ثانياً: تكمن خطورة الشيشة أيضاً في أنها تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية منتشرة في الأحياء والمقاهي والفنادق والمطاعم والمآتم والمنازل والمجمعات، فهناك من يظن بأن الشيشة هي جزء من ثقافة الشعب ومتجذرة في عادات وتقاليد الأسرة، وأنهم قد توارثوها أباً عن جد ولا يمكن التخلي عنها، ولذلك فهم يُقدمونها كنوعٍ من أنواع كرم الضيافة في الأفراح والأحزان. كذلك هناك من يشد الرحال ليلاً، وبخاصة في إجازة نهاية الأسبوع وفي الإجازات الأخرى للقاء الأصدقاء والعيش في جوٍ اجتماعي جماعي، تحيطه التسلية والمرح وتبادل أطراف الحديث، وبعيداً عن ضغط العمل وهموم الحياة، فيُضيع الساعات الطوال من وقته الثمين وحتى بزوغ الفجر وهو يُلقي بالسموم في جسمه وفي جسم من يجلسون معه من غير المدخنين.
ثالثاً: وسائل الاتصال الاجتماعي تحولت إلى أداة مشاعة لا رقابة عليها ولا محاسبة على ما ينشر فيها، فيستخدمها البعض للترويج عن محلات جلسات الشيشة بشتى أنواع الأساليب الشيطانية الماكرة من ترغيب وتشويق وإثارة، فهي جميعها تحولت إلى مواقع خصبة لصيد الفرائس السهلة الجديدة، وإيقاعها في شباك الشيشة المدمنة.
رابعاً: هناك إجماع من قبل الأطباء على إفساد الشيشة لصحة الإنسان والأمن البيئي، كما أكد العلماء بأن بعض الملوثات التي تنبعث عن تدخين الشيشة أعلى من السجائر التقليدية المعروفة. فهناك أولاً التأثيرات الحادة والمباشرة التي تظهر فوراً بعد تدخين الشيشة، منها التغيرات في الأوعية الدموية القلبية والتي تنعكس على زيادة دقات القلب بنحو 6 إلى 13 دقة في الدقيقة، ومنها ارتفاع ضغط الدم من 3 إلى 16 مليمتراً من الزئبق، ومنها النقص في وصول الأكسجين إلى خلايا الجسم وإصابة البعض بالتسمم والاختناق. أما عن التأثيرات الصحية طويلة الأمد فهي لا تختلف عن السجائر العادية فتؤدي إلى أمراض القلب والجهاز التنفسي والإصابة بالسرطان والموت المبكر.

ولذلك أدعو الجميع إلى عدم التمييز بين المصادر والأسباب المتعددة والمختلفة للمرض والموت، فالمرض والموت من التدخين لا يختلف عن المرض والموت من فيروس كورونا، بل وإن التدخين حسب تقارير منظمة الصحة العالمية يُعد السبب الرئيس لإسقاط الناس في أمراض كثيرة وإدخالهم مبكرين إلى قبورهم.

فيجب انتهاز فرصة نزول فيروس كورونا علينا لمنع التدخين عامة والشيشة خاصة في البحرين بصفة دائمة، فأضرارها الصحية والبيئية والاجتماعية أعلى بكثير من منافعها الاقتصادية المزعومة، فإثمها أكبر من نفعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق