الاثنين، 9 مارس 2020

لماذا انخفضتْ نسبة سرطان الرئة في الولايات المتحدة الأمريكية؟


مرض السرطان ظاهرة عالمية انكشفت في كل دول العالم بدون استثناء، سواء أكانت دول صناعية متقدمة تمتع بالمستشفيات المتطورة والأطباء الخبراء والأكفاء، أو دول نامية فقيرة لا توجد بها أجهزة ومعدات تشخيصية وعلاجية متقدمة، كما إنه من الأمراض التي اخترقت أمان وسلامة وطمأنينة كل أسرة غنية أو فقيرة، فلم تترك أحداً إلا وجعلته يعاني من ويلات هذا المرض وقسوته على من يصاب به، إما كمريض نزل عليه هذا المرض العقيم والبلاء المبين، أو كمصاحب لهذا المريض ومرافق له داخل الأسرة الواحدة.

فهذه الظاهرة المرضية العصيبة والمستعصية على العلاج لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، وهي موجودة وبين مدٍ وجزر من حيث أعداد المصابين بها في مختلف دول العالم، فالعدد الإجمالي لمرضى السرطان يختلف من دولةٍ إلى أخرى، وهو في ارتفاع كبير في بعض الدول وفي انخفاضٍ ملحوظ في دولٍ أخرى، كما أن بعض أنواع السرطان يزيد كل سنة لوجود مسبباته وتجذره بعمق في تلك الدولة، في حين أن البعض الآخر من أنواع السرطان في انخفاض لقدرة الدولة العالية ووفرة وجاهزية إمكاناتها للسيطرة على المرض، إضافة إلى نجاح الدولة في القضاء على أسباب هذه الأنواع من مرض السرطان.

والولايات المتحدة الأمريكية تنشر إحصاءات وتقارير سنوية لحالة السرطان في الولايات كلها وتغيرها مع الزمن وأنماط وأنواع وقوعها على المستوى القومي، حيث إن مرض السرطان يُعد السبب الثاني لموت الأمريكيين بعد أمراض القلب التي تحتل المرتبة الأولى في الوفيات، وآخر تقريرٍ صدر عن الجمعية الأمريكية للسرطان في الثامن من يناير من العام الجاري ونُشر في مجلة السرطان للأطباء(Cancer Journal for Clinicians) تحت عنوان:" إحصاءات السرطان: 2020". 

وقد احتوى التقرير على معلومات هامة جداً حول الإصابة بهذا الوباء القاتل، ويمكن لكل دول العالم أن تستفيد منها ومن استنتاجاتها القيِّمة. فقد أكد التقرير بأن هناك انخفاضاً قياسياً وتاريخياً في سنة واحدة في الفترة من 2016 إلى 2017 لأعداد الذين قضوا نحبهم بسبب السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نزلت نسبة الموتى 2.2%، مقارنة بالانخفاض السنوي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1991، وهي 1.5% سنوياً، وأما الانخفاض الإجمالي لنسبة الوفيات من السرطان فقد بلغ 29% خلال الفترة من 1991 إلى 2017. كما أن عدد الموتى انخفض من 215.1 في عام 1991 لكل مائة ألف من السكان إلى 152.4 عام 2017.

وهذا الانخفاض المشهود في نسبة الذين يُنقلون إلى مثواهم الأخير بسبب السرطان فينطبق على خمسة أنواع من السرطان هي الرئة، والثدي، والبروستات، والقولون والمستقيم، والجلد. ويجدِرِ بي هنا أن أُركز على سرطان الرئة بصفة خاصة، حيث انخفضت أعداد الوفيات بمستويات أعلى، من 3% سنوياً في الفترة من 2008 إلى 2013 إلى 5% سنوياً خلال الفترة من 2013 إلى 2017 بالنسبة للذكور، ومن 2% إلى نحو 4% للإناث. وهناك عدة أسباب تقف وراء انخفاض أعداد الموتى من سرطان الرئة، فالسبب الأول والرئيس هو ازدياد نسبة الأمريكيين الذين يقلعون عن التدخين سنوياً، فكما هو معروف منذ الخمسينيات من القرن المنصرم بأن التدخين يؤدي في نهاية المطاف إلى نمو الأورام في الرئة والإصابة بسرطان الرئة. وأما الأسباب الأخرى فتكمن في التطور في إجراءات وأساليب الجراحة، والتشخيص الأفضل والأسرع من ناحية تقنية ودقة الأشعة ووضوحها، إضافة إلى الأدوية الحديثة المستخدمة في العلاج، أو ما يُطلق عليه بعلاج المناعة(immunotherapy).

كذلك هناك انخفاض سنوي سريع في أعداد الموتى من سرطان الجلد، والذي تبلغ نسبته 7% سنوياً، وبالتحديد من أخطر أنواع سرطان الجلد وهو المِلانُوما، ويُعزى السبب في ذلك إلى استخدام أدوية فاعلة تقضي على الأورام السرطانية، إضافة إلى ارتفاع الوعي بالنسبة لعملية "التانينج"، وهي استخدام مصابيح الأشعة البنفسجية الضارة لتحويل لون البشرة إلى الذهبي والبرونزي اللون من أجل إعطاء الجمال للبشرة. وفي المقابل لم يحدث أي تغيير مشهود بالنسبة لسرطان الكبد بسبب استفحال أسبابها في المجتمع الأمريكي، ومنها شرب الخمر، والبدانة والوزن الزائد، وفيروسات التهاب الكبد من نوعي بي وسي. 

وقد نبه هذا التقرير وتقارير أخرى مثل الدراسة المنشورة في مجلة اللانست(الصحة العامة) في الثالث من فبراير 2019 إلى قضية مهمة جداً تحولت من العوامل الرئيسة للإصابة لعدة أنواع من السرطان، بل وأصبح هذا العامل يتنافس مع التدخين في إسقاط الناس في شباك السرطان وهي السمنة أو البدانة والوزن الزائد، حيث أكدت هذه التقارير بأن هناك زيادة سنوية في أعداد المصابين بين الشباب لأنواع السرطان المرتبطة بالبدانة، مما يجعلنا نركز على هذا العامل الجديد ونمنعه من أن يُوقع شبابنا ضحية للسرطان.

وأستخلصُ من هذا كله بأن هناك أسباباً أصبحتْ متواترة ومعروفة يُجمع عليها الأطباء والمختصون بالسرطان بأنها تُعرض الإنسان لمخاطر الوقوع في هذا المرض العصيب، وعلى رأس هذه الأسباب التدخين بكل أنواعه وأشكاله ومسمياته والذي يُعد العامل للرئيس للإصابة بسرطان الرئة، ثم شرب الخمر وعلاقته المباشرة بسرطان الكبد، ثم البدانة وزيادة الوزن والتي تسقط الإنسان في عدة أنواع من السرطان، ولذلك إذا عرفنا هذه الأسباب ودورها في زيادة حالات السرطان فعلينا كأفراد وحكومات العمل على الحد منها والتخلص منها كلياً إن أمكن ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق