الأحد، 5 أبريل 2020

لماذا اختلفتْ الدول في حربها ضد وباء كورونا؟

 
منذ أن انفجرتْ كارثة فيروس كورونا في نهاية ديسمبر من العام المنصرم، وأنا أُراقب عن كثب هذا الطامة الكبرى التي نزلت على البشرية جمعاء، وأُتابع كافة التطورات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عنها، إضافة إلى محاولة التعرف على السياسات التي تتبعها الدول في إدارة هذه الحرب المفروضة عليها، وتحليل المداخل والنماذج التي تتبناها في مواجهتها لهذا الوباء العالمي والتصدي له.

وفي الحقيقة فإن تعامل الدول في الدفاع عن نفسها ضد الهجمة الشرسة المباغتة لفيروس كورونا والمداخل التي انتهجتها في إدارة هذه الهجمة الفيروس اختلفت وتنوعت من دولة إلى أخرى، بل وفي بعض الدول الكبيرة العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية فقد تنوعت الرؤى والإجراءات بين الولايات من جهة، وبين المدن من جهةٍ أخرى في بعض الحالات.

وهناك عدة أسباب أدت إلى ظهور هذه التعددية والاختلافات في مداخل وسياسات إيقاف تفشي هذا المرض العضال، وهي في تقديري كما يلي:
أولاً: وعي وسلوكيات وقناعات رئيس الدولة أو الحكومة وقُدرة فهمه واستيعابه لحجم الضرر الذي سيقع عند دخول أو اكتشاف أول حالة فيروس كورونا في البلاد وزرع واحتضان البذرة الأولى لهذا الفيروس الغامض الخطير، إضافة إلى الجدية والحزم في اتخاذ القرارات وتبني الإجراءات المتعلقة بكبح جماح هذا الفيروس منذ اكتشافه. ولذلك نرى بأن رُدود فعل دول العالم خارج مكان ولادة الفيروس ومسقط رأسه في مدينة ووهان الصينية، تنوعت من دولة إلى أخرى، وفي بعض الحالات كان الاختلاف من مدينة أو ولاية إلى أخرى في الدولة نفسها بسبب التغيرات الطبيعية في درجة وعي واتجاهات وحزم المسؤولين في كل مدينة، أو ولاية، أو دولة، إضافة إلى عدم وجود إجراء واحد متفق عليه عالمياً يعتبر الأكثر فاعلية ونجاحاً، والأقل كلفة من الناحية الاقتصادية لإحداث التوازن بين حماية الصحة العامة ومنع الانهيار الاقتصادي العام. كما أن هذه الاختلافات بين المدن والدول تعزى أيضاً إلى الاختلاف والتنوع في نوعية نظام الحكم في دول العالم، سواء أكانت دولة ديمقراطية تُرجع القرارات المصيرية والجوهرية إلى الشعب مباشرة لاستطلاع رأيه والتشاور معه عبر المجالس المنتخبة، أم أنها دولة لا تتبع هذا المنهج السياسي فتصب القرارات مباشرة وقسرية من أعلى الهرم إلى الشعب في أسفل الهرم. 
ثانياً: التنوع في مداخل ونماذج إدارة مرض فيروس كورونا بين الدول يعتمد أيضاً على ثقافة الشعوب، ومستواهم التعليمي، ودرجة وعيهم وإدراكهم، إضافة إلى ثقتهم بمصداقية القرارات التي تصدر من الأجهزة الحكومية في أنها تهدف إلى تحقيق ورعاية المصلحة العامة ومصلحة الشعب قبل المصالح الشخصية، أو الحزبية، أو الانتخابية الضيقة. فمن أهم الإجراءات التي تبنتها الدول هي الامتناع عن الخروج من المنزل إلا للضرورة المعيشية القصوى، وتجنب الاختلاط والتجمعات لمدة لا تقل عن أسبوعين، ومن أجل نجاح هذا الإجراء القاسي والصعب لا بد من وجود ثقة مطلقة بين الشعب والحكومة، إضافة إلى رسوخ الثقافة الصحية العامة والوعي المعمق عند كافة فئات الشعب بأن الاختلاط بين الناس يؤدي إلى تفاقم انتشار أي مرض معد.
ثالثاً: العامل الثالث في وجود التنوع في التَكتِيك بين الدول في الحرب ضد مرض كورونا يعتمد على المرحلة التي تمر بها الدولة بالنسبة لتفشي المرض، من حيث عدد الحالات المؤكدة ونوعيتها ومصدرها، إضافة إلى عدد الموتى من الفيروس، فلكل مرحلة سياساتها وإجراءاتها.
رابعاً: التغير في تعامل الدول مع هذا الزلزال الفيروسي المدمر كان أيضاً بسبب الاختلاف في البنية التحتية الصحية في الدول، من حيث وجود الميزانيات المالية التي يمكن تخصيصها للهجوم على الفيروس، إضافة إلى الاختلاف الشاسع بين إمكانات وقدرات الدول من حيث عدد المستشفيات والمراكز الصحية وعدد الأسرة الطبية الموجودة فيها الصالحة لاستقبال المرضى، إضافة إلى وجود الأجهزة والمعدات، والطاقم الصحي المتخصص.

وسأقدم لكم نموذجين ومدخلين مختلفين كلياً في إدارة هذا الكرب الصحي العظيم، ويمكن من خلال النموذجين التعرف على عوامل وأسباب الاختلاف بينهما، حسب ما ذكرتُ أعلاه.

أما المدخل الأول في إدارة مرض فيروس كورونا فهو النموذج الصيني الذي أستطيع أن أَصفهُ بنموذج الأحكام العسكرية، أو الأحكام العرفية التي تُطبق عادة عند نزول حالات الطوارئ الأمنية التي تمر بها أية دولة لعدم وجود استقرار أمني في البلاد، سواء أكان لأسباب داخلية أو غزو خارجي، وهنا قياساً على هذا الوضع، فقد كانت هناك حالة طوارئ صحية من عدوٍ شرس لا يرحم، وبدأ وبسرعة فائقة وعلى نطاق واسع في غزو البلاد، مما استدعى تنفيذ إجراءات حاسمة وشديدة تتمثل في إغلاق تام لمدينة ووهان أولاً وجعل أكثر من 30 مليون في حجرٍ صحي، ثم تبعتها المدن الصينية الأخرى. فالمرحلة التي وصل فيها المرض كان السبب في تطبيق هذا الإجراء الجذري والقسري الشامل على الجميع.

وأما المدخل الثاني فهو النموذج الأمريكي الذي اعتمد على السياسة التدريجية، أو سياسة الخطوة خطوة، بدءاً بالشك والانتظار والترقب لما يحصل في دول العالم، وعدم الجدية في التصدي لفيروس كورونا، حيث تمثل ذلك في تصريحات ترمب. ففي 29 فبراير قال ترمب بأن فيروس كورونا هو "خدعة" من الحزب الديمقراطي، ثم بدأ مع زيادة الضحايا البشرية في تغيير رؤيته لهذا الحدث الجلل حتى وصل الفيروس إلى عقر داره وبدأ الناس يسقطون صرعى، مما اضطره في 14 مارس إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية على المستوى الاتحادي، ثم في 23 مارس أعلن بأن ولايتي نيويورك وواشنطن تُعدان مناطق كوارث صحية. وأما الولايات والمدن التي ارتفعت درجة ضحاياها من الفيروس فقد اتخذت إجراءاتها الخاصة المختلفة عن سياسة رئيس الدولة، مثل مدينة سان فرانسيسكو أولاً ثم ولاية كاليفورنيا برمتها التي أغلقت أبوابها في 20 مارس وعاشت في الحجر أو السجن الصحي العظيم، ومدينة نيويورك التي أُعلنت في 23 مارس بأنها بؤرة انتشار مرض فيروس كورونا.

وبين السياستين جاء المدخل "الرسمي" الذي اعتَمد على التوجيهات والسياسات التي تُصدرها منظمة الصحة العالمية، فكانت إجراءات الدول معتمدة على هذه المنظمة التي هي نفسها تدرجت في تحديد أولوياتها حسب المرحلة التي يمر فيها الفيروس في دول العالم. ففي الأيام الأولى لانكشاف المرض، اتبعتْ المنظمة سياسة الترقب وتحليل الأوضاع في مدينة ووهان، ثم تحديد الإجراءات التنفيذية للدول، حتى زادت أعداد الحالات وارتفعت نسبة الموتى فاضطرت إلى إعلان حالة طوارئ صحية في 31 يناير، ثم تم تصنيف المرض كوباء عالمي في 13 مارس عندما تفشي في معظم دول العالم، وفي كل مرحلة أخذت الدول احتياطات جديدة لمواجهة هذا الهجوم الفيروسي.

والآن بعد تحليل نماذج وسياسات الدول في التصدي للفيروس والإجراءات التي اتخذتها حتى الآن، فإنني أُقدم ما يلي كأفضل الإجراءات في مثل هذه الحالات وأكثرها فاعليه في الوصول بسرعة إلى النتيجة المطلوبة، وهي حماية الصحة العامة والقضاء على الفيروس، علماً بأنني على يقين بأن كل دول العالم ستضطر إلى تطبيق مثل هذه الإجراءات عاجلاً أم آجلاً:
أولاً: البدء في العزل التام للشعب برمته ووضعه في الحجر الصحي المؤسسي النظامي من خلال المستشفيات والمراكز المعدة لذلك، أو الحجر المنزلي الإلزامي ومنع الخروج إلا الضرورة.
ثانياً: منع الدخول إلى البلد أو الخروج منه إلا في الحالات الاستثنائية.
ثالثاً: تحليل أكبر عدد ممكن من السكان بالنسبة للفيروس، ومتابعة كل حالة مرضية على حدة، وتحديد جميع  الأشخاص الذين خالطوا هؤلاء المرضى بشكلٍ دقيق ومراقبة حالاتهم وعلاجهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق