الثلاثاء، 21 أبريل 2020

تلوث الهواء يزيد من نسبة الوفيات من كورونا


عندما ينزل الوباء القاتل على المجتمع البشري، ويضرب الناس أجمعين في كل أقطار العالم، فإن أنظار العلماء والمعنيين واهتمامهم الرئيس ينصب مباشرة نحو الأسباب المؤدية إلى وقوع هذا الكرب العظيم عليهم، ويحاولون في الوقت نفسه تحديد العوامل التي تزيد من وطأة وشدة هذا الوباء على الإنسان وترفع من درجة الحالات المرضية وتفاقم أعداد الموتى الذين يتساقطون ضحايا لهذا الوباء العقيم.

واليوم تقف البشرية كلها سواسية كأسنان المشط أمام سونامي فيروس كورونا(كوفيد_19)، فلم يترك هذا الفيروس الضعيف الذي لا يُرى بالعين المجردة دولة في العالم إلا وأصابها مس شديد من هذا الفيروس، سواء أكانت دولة صغيرة كالفاتيكان وفقيرة كبنجلادش، أو كبيرة وغنية ومتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، فنزل هذا البلاء كالريح الصرصر العاتية التي هبَّت على الجميع من كل جهة، فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم وجعلتهم خاضعين أذلاء عاجزين عن مقاومته والقضاء عليه.

ولذلك يبحث الإنسان بعمق عن كل عامل، مهما صغر ومهما كان بسيطاً، لتخفيف حدة هذا المرض الفيروسي، وخفض أعداد حالات المصابين والموتى. فكما هو معروف فإن فيروس كورونا المسبب للمرض ينزل أولاً ضيفاً ثقيلاً على الجهاز التنفسي العلوي في الفم والأنف والحنجرة، ثم إذا استقر به الحال ولم تتمكن أجهزة مناعة الإنسان من التخلص منه والقضاء عليه، فإن هذا الفيروس يبدأ في التكاثر وينتقل يوماً بعد يوم فيزحف إلى مواقع الجهاز التنفسي السفلى كالقصبة الهوائية والرئتين، وبالتحديد الحويصلات الهوائية، حيث يبدأ في القضاء على الخلايا واحدة تلو الأخرى والتسبب في مضاعفات قاتلة تؤدي إلى عدم القدرة على التنفس رويداً رويداً، حتى يلقى الإنسان نحبه.

وبناءً عليه يحاول المختصون إبعاد كل العوامل الأخرى التي تُضعف من أداء الجهاز التنفسي السفلي والعلوي، أو تقلل من قدرته على مقاومة الفيروس وممانعته، والعمل على القضاء على كافة المسببات التي تخفض من فاعلية ووظيفة الرئتين والقيام بعمله الروتيني كل ثانية من حياة الإنسان.

وهناك العديد من العوامل الخارجية التي تؤثر على الجهاز التنفسي، وبالتحديد الرئتين، وبالتالي لا بد من تجنيب المريض في حالات الوباء الفيروسي التنفسي من التعرض لها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وأُلخص لكم هذه العوامل، كما يلي:
أولاً: هناك إجماع عند المجتمع الدولي منذ أكثر من خمسين عاماً بأن التدخين يسقط الإنسان فريسة سهلة لأكثر من 12 نوعاً من السرطان، وفي مقدمتهم سرطان الرئة، أي أن للتدخين آثاراً كارثية على الجهاز التنفسي كلهن مما يعني بأن الإنسان المدخن سيكون ضعيفاً في قدرته وقوته على مقاومة فيروس كورونا الذي يضرب أيضاً الجهاز التنفسي، ولن يتمكن هذا المدخن نتيجة لتدخينه من التخلص من هذا الفيروس بسهولة ويسر. واليوم نُشرت دراسة في المجلة الأوروبية للجهاز التنفسي في التاسع من أبريل من العام الجاري تؤكد هذه الفرضية، إذ أثبتت الدراسة بأن التدخين يزيد من مستويات أنزيم الأنجيوتنسي(ACE-2) الموجود عادة في الجدار الخارجي لخلايا الجسم في الرئة وغيرها من أعضاء جسم الإنسان، حيث إن هذا الإنزيم يُعد نقطة انطلاق ودخول فيروس كورونا إلى خلايا الرئة، وبعبارة أخرى فإن هذا الإنزيم يساعد ويسهل مهمة دخول فيروس كورونا إلى خلايا الرئة والتكاثر في هذا الموقع الحساس والحيوي من الجهاز التنفسي، ولذلك كلما ارتفع مستوى هذا الإنزيم في خلايا الرئة، كما هو الحال بالنسبة للمدخنين، زادت نسبة نجاح ولوج الفيروس إلى الرئة والقيام بإتلاف خلاياها.
ثانياً: جميع الدراسات العلمية تؤكد بأن تلوث الهواء يعتبر قنبلة دمار شامل لكافة أعضاء جسم الإنسان، وبخاصة الجهاز التنفسي، أي أن الملوثات التي تنبعث من السيارات، أو محطات توليد الكهرباء، أو المصانع، أو الطائرات كلها تنتقل إلى الجهاز التنفسي فتُحدث له أضراراً مزمنة وحادة وتعرض الإنسان لأمراض كثيرة. وقد أضافت دراسة نُشرت في الثامن من أبريل في مجلة نيوإنجلند للطب (New England Journal of Medicine) حقيقة جديدة حول التعرض لتلوث الهواء وعلاقته الحميمية بالموت من كوفيد_19 في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أَجرتْ هذه الدراسة تحليلاً شاملاً حول تعرض السكان في 3080 مدينة أمريكية للدخان أو الجسيمات الدقيقة في الهواء الجوي وتأثيرها على ارتفاع حالات الموت من كورونا في هذه المدن، حيث استنتجت بأن زيادة 1 ميكروجرام من الدخان لكل متر مكعب من الهواء يؤدي إلى ارتفاع أعداد الموتى من كورونا بنسبة 15%، أي أن ارتفاعاً بسيطاً في تلوث الهواء يرفع كثيراً من نسبة أعداد الموتى من هذا الفيروس الخبيث. وقد أكد العلماء من جامعة هارفرد الذين قاموا بهذه الدراسة على أن تلوث الهواء يفسد الجهاز التنفسي عامة والرئتين بصفة خاصة، مما يجعله في حالة ضعف وهوان وعدم القدرة على مقاومة فيروس كورونا، أي أن التهديد للبشرية مضاعف ومركب من تلوث الهواء من جهة ومن فيروس كورونا من جهة أخرى، فكلاهما له تأثير تدميري للرئتين، مما يؤكد ضرورة الجدية في الاهتمام بتلوث الهواء واعتباره تهديداً حقيقياً واقعياً لصحة البشرية جمعاء.
وجدير بالذكر بأن هذا الاستنتاج ليس بالجديد، فقد أَجرى بعض العلماء في عام 2003 عندما حلَّت الكارثة الصحية بسبب فيروس سارس عدة دراسات لسبر غور العلاقة بين تلوث الهواء وارتفاع حالات الإصابة بمرض سارس. فهناك الدراسة المنشورة في مجلة صحة البيئة في العشرين من نوفمبر عام 2003 تحت عنوان: "تلوث الهواء وحالات الموت من سارس في الصين: دراسة بيئية". فمن المعروف بأن سارس بدأ في نوفمبر 2003 في الصين، وكانت الحصيلة أكثر من 6000 حالة مرضية وموت نحو 400، حيث أفادت هذه الدراسة بأن حالات الموت من سارس ارتفعت في المدن التي تزيد فيها نسبة الملوثات في الهواء الجوي، أي كلما زاد التلوث، زاد موت الناس من مرض سارس. كما أُجريت دراسة ثانية أكدت نتائج الدراسة السابقة، حيث قام الباحثون من جامعة كاليفورنيا بإجراء دراسة حول العلاقة بين تلوث الهواء ونسبة الموتى من سارس، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة صحة البيئة في العشرين من نوفمبر 2003 تحت عنوان: "نسبة الموت من سارس تَضاعفتْ في المدن الملوثة". وهناك دراسة جَمعتْ بين كارثتين صحيتين هما سارس ووباء كورونا الحالي، حيث نُشرت هذه الدراسة في الرابع من أبريل من العام الجاري في مجلة تلوث البيئة تحت عنوان: "هل يمكن لتلوث الهواء أن يكون عاملاً في ارتفاع مستويات الموتى من سارس وكوفيد_19 في شمال إيطاليا؟"، وهذه الدراسة تُشير إلى أن الذين يتعرضون للهواء الملوث أكثر عرضة من غيرهم في الوقوع في شباك مرض كورونا، وبالتحديد في مدن شمال إيطاليا.

وختاماً، إذا أردنا أن ننجح كلياً في مقاومة كورونا ونتخلص من شروره ومن شرور الأمراض الأخرى، علينا محاربة كافة العوامل التي تسبب المرض، أو التي تفاقم من أعداد الموتى، ومنها العوامل التي يتم عادة تجاهلها أو غض الطرف عنها مثل التدخين بكافة أنواعه وأشكاله وتلوث الهواء الجوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق