الأربعاء، 15 أبريل 2020

آهٍ مِنْكَ يا كورونا، ماذا فعلتَ بنا؟


آهٍ منك يا فيروس كورونا، ماذا فعلت بنا؟
لقد أجبرتَ أكثر من أربعة مليارات إنسان على المكوث في بيوتهم ومنازلهم، وألزمتهم على البقاء سجناء في مساكنهم وعدم مغادرتها كلياً لأكثر من أسبوعين طويلين، وأنت أيها الفيروس الضعيف البسيط في حجمك وتكوينك أخذت أرواح أكثر من تسعين ألف إنسان وأدخلتهم إلى مثواهم الأخير في سنٍ مبكرة، كما أنك ألقيت أكثر من مليون و150 ألفاً في أقسام الطوارئ في المستشفيات ينتظرون الدواء والعلاج وهم يعانون من ضيقٍ في التنفس، وصعوبة في الحركة، وتلف شديد ومزمن في الرئتين.
  
وأنت أيها الفيروس الصغير أغلقتَ أبواب دولٍ عريقة متقدمة بأكملها، فسببتَ في شل حركة مدنها وقراها وحولتها إلى مدن أشباح كئيبة ومخيفة ومرعبة، فلا أثر للحياة ترى فيها، وأفرغت الروح والحيوية من داخلها، فلا ترى سيارات تمشي في الشوارع، ولا قطارات تسير بين المدن، ولا شاحنات ووسائل نقل أخرى تتحرك في الطرقات، ولا طائرات تحلق في أعالي السماء.

آهٍ منك يا فيروس كورونا، فبالرغم من ضعفك وهوانك وعدم إمكانية رؤيتك بعيوننا المجردة، فقد نجحت في كشف ضعف الإنسان وهوانه وقلة حيلته وعجزه أمام أول امتحان حقيقي، فكسرت هيبته، وأفسدت كبرياءه، ودمرت غروره، وكشفت حقيقة غطرسته وقوته، فكم من دول أعلنت إفلاسها أمامك بحزمات اقتصادية تصل إلى مبالغ طائلة كالولايات المتحدة الأمريكية التي خصصت 2.2 تريليون دولار لانتشال الاقتصاد من غرقه، وإنقاذ الاقتصاد من انهياره وسقوطه، وتجنب ركودٍ اقتصادي مزمن لا خروج منه، فالبطالة زادت عن 4.4% وخسر الاقتصاد الأمريكي أكثر من 700 ألف وظيفة حتى اليوم، وكم من دول توسلتْ ومدت يد العون للدول الأخرى لمواجهتك والتصدي لك والقضاء عليك، فها هي إيطاليا العظيمة والكبيرة في تاريخها وثقافتها تشكو بصوتٍ عال سمعه الجميع، وهي تصرخ وتنادي العالم لمساعدتها وإنقاذها منك ومن تداعياتك التي نخرت بقوة وبشدة في كل أعضاء الدولة ومدنها التاريخية العريقة، وكم من دول سقطت سياساتها وماتت استراتيجيتها التي كانت تفخر بها أمام العالم، فذهبت أدراج الرياح هباءً منثورا.

آه منك يا فيروس كورنا، ماذا فعلت بنا؟
لقد كشفتَ عورات الدول التي تدَّعي التقدم والتطور والرقي، وأظْهرتَ سوءاتها وسوء سياساتها وإدارتها لدولها، وفضحتَ أمام العالم ممارساتها اليومية، فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال التي نفذت من أقطار السماوات والأرض فحطت على القمر، ووضعت بصماتها على المريخ، وصنعت كافة أنواع أسلحة التدمير الشامل الكامل من قنابل كيميائية ذرية وأخرى جرثومية حيوية وأخرى موجات صوتية مفسدة للصحة، لم تتمكن من مواجهة هذا العدو الضعيف الذي لا يرى بالعين المجردة، فأعلنتْ دون جدوى الحرب عليه، ولكن دون استعداد مسبق، ودون خطة هجومية فاعلة، ودون أسلحة خاصة تستخدم في مثل هذه الحروب، فقد عرَّى هذا الفيروس الحقير ضعف الأنظمة الصحية وفسادها في أعظم دولة على وجه الأرض، وفضح أولوياتها التي لا تجعل الإنسان وصحته وسلامته في المقدمة، وكشف عن فشل إجراءاتها لوقاية الناس من هذا الفيروس وقلة أجهزتها ومعداتها، وأثبت عدم قدرتها على مواكبة وملاحقة تداعيات هذا الفيروس على جسم الإنسان وقطاعات المجتمع برمته.

كذلك أظهر هذا الفيروس البسيط ما أخفتها الدول سنواتٍ طويلة من سياسات باطنية كانت مستورة ومغطاة بدعايات إعلامية مضللة، وتصريحات فارغة، فها هي إيران، كانت جُل أموالها وإمكاناتها المادية تذهب إلى خارج الدولة وبعيدة عن احتياجات شعوبها وتنمية مدنها وقراها، وكانت تُسخر أموالها لأنشطتها العسكرية وتصنيع الأسلحة القاتلة والمدمرة للبشر، فسقت البعيد بأموالها وتركت القريب، ومدت أياديها خارج حدودها ونست الداخل، فعندما هب سونامي فيروس كورنا وضرب الزلزال المدمر لصحة البشر انكشفت وبَدَتْ هشاشة البينة التحتية الصحية، فلم تكن لديها الأموال والأجهزة والإمكانات الطبية الأخرى لمساعدة شعبها، وعلاج مرضاها، ودفن موتاها.
 
آه منك يا كورونا، ماذا فعلت بنا؟
فقد غيَّرت سلوك مجتمعاتٍ برمتها، وبدلت كلياً نمط حياتهم، وألقيت الفزع والهلع في قلوبهم، فتسابقوا إلى جمع وتكديس الغذاء والماء في منازلهم وأفرغوا البرادات ومحلات بيع الطعام من السلع الغذائية، وجلس الجميع في منازلهم خائفين مترقبين لمستقبلٍ مجهول غامض، فتوقفت الحياة الاجتماعية، وتأجلت الأنشطة الرياضية والترفيهية على كافة المستويات القومية والإقليمية والدولية، وضعفت الروابط الأسرية وصلة الأقارب والأرحام، بل والأشد من ذلك والأمر على النفس والقلب توقفت صلوات الجمعة والجماعة، حتى أصبح الناس يُصَلون في بيوتهم بدلاً من مساجدهم.

كذلك نجح هذا الفيروس في إجراء تغييرٍ جذري في أنظمتنا التعليمية والإدارية معاً، فتحولت من نظامِ التعليم وإلقاء الدروس وجهاً لوجه بين المدرس والطالب في المدرسة أو الكلية والمعهد والجامعة في الصف الواحد، إلى نظام التعليم عن بعد من خلال أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الأخرى التي توصل الناس مع بعض وهم جالسين في منازلهم، كما غيَّرت بعض الأنظمة الإدارية للأجهزة الحكومية وغير الحكومية فسعت نحو تشجيع العمل الإداري والقيام بواجبات العمل من المنزل عبر جهاز الكمبيوتر، إضافة إلى تنظيم الاجتماعات وورش العمل عن بعد، سواء على المستوى القومي أو الإقليمي أو الدولي.

ولا أدري ما هي المفاجآت القادمة التي يخبؤوها لنا هذا الفيروس في الأيام اللاحقة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق