الخميس، 21 يناير 2021

جماعات اليمين المتطرف تخترق أجهزة الأمن الأمريكية

 

منذ وقوع المحاولة الانقلابية في السادس من يناير من العام الجاري في مبنى الكونجرس الأمريكي من قبل جماعات تفوق العرق الأبيض واليمين المسيحي المتطرف والعنيف بمختلف أسمائها وأهدافها، بدأت تنكشف الكثير من الحقائق التي ربما كانت غائبة عن وعي وإدراك المجتمع الأمريكي عامة، أو أن السلطات الأمنية والسياسية كانت تتجاهلها وتغض الطرف عنها، ووضعت بذلك عمداً غمامة مُصطنعة على أعينها، وصوبت بوصلتها الأمنية كلياً نحو التطرف الإسلامي والجماعات الإسلامية المتشددة والعنيفة، ولذلك كانت هذه السلطات الأمنية ذات الاختصاص بالإرهاب الداخلي أو الخارجي تُوجه جل وقتها وعنايتها وجهودها ومواردها المالية والبشرية نحو المتشددين من بعض المسلمين في داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو من خارجها، فتركت الساحة مفتوحة على مصراعيها لجماعات اليمين المسيحي، والميليشيات المسلحة لكي تنمو، وتترعرع، وتنشط، وتوحد وتنظم صفوفها، وتخرج إلى العلن في وضح النهار دون حياء، أو خوف، سواء في الداخل الأمريكي أو الخارج.

 

فمنذ سنوات وهذه الجماعات تقليدياً متغلغلة في الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في أجهزة الشرطة في المدن والولايات، أو في الحرس الوطني والجيش الأمريكي، ولكنها كانت بمثابة الخلايا النائمة التي تنتظر الوقت المناسب، والجو السياسي الملائم لكي تضرب الضربة القاضية، وتنقض فجأة على فريستها، فطوال العقود الماضية لم تكن الأجواء السياسية مهيئة لهذه الجماعات، ولم يكن لهم الغطاء السياسي الشرعي القوي والمتنفذ الذي يقف مع أفكارهم المتطرفة ومواقفهم المتشددة، فيساندهم ويبرر عملياتهم العنيفة والمسلحة، ويزودهم بالوقود الكافي لاستمرار وجودهم وتنفيذ عملياتهم، حتى جاء الرئيس السابق ترمب فرصف لهم الأرضية المناسبة، ومهد لهم الطريق للخروج إلى العلن بمواقفهم وأفكارهم، وشجعهم على القيام بأعمال العنف المسلحة القاتلة، فلم يقم بانتقادها، أو إدانتها وشجبها.

 

فهذا الاختراق الأمني للوكالات والأجهزة الأمنية بدأ ينكشف يوماً بعد يوم بوضوح أكثر ويظهر فوق السطح بمؤشرات عدة، حتى أن مكتب التحقيقات الفيدرالية(إف بي آي)  انتبه إلى هذه الظاهرة الأمنية النائمة، وتبنى خطوات استباقية للحد من قدرتها، وشل حركتها، ومنعها من القيام بأية أعمال تهدد الأمن القومي، وبخاصة قبيل وأثناء فترة تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن.

 

فعملية تنصيب الرئيس هذه المرة كانت غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت محفوفة بالصعاب الأمنية، وتحيطها التهديدات الداخلية من احتمال قيام ميليشيات اليمين المسيحي المتطرف الداعم للرئيس السابق ترمب بعمليات انقلاب، أو اغتيال، أو تخريب عملية التنصيب، ولذلك اتخذت السلطات الأمنية إجراءات غير مسبوقة ومشددة، وكلفت أكثر من 25 ألف من الحرس الوطني القادمين من ولايات مختلفة، ومن خلفيات متعددة وثقافات وأفكار قد تكون متطرفة ومتشددة، وتأثرت بنظرية المؤامرة في الانتخابات الرئاسية وبتصريحات ترمب وتعليماته وتوجيهاته المباشرة والواضحة  لمناصريه ومؤيديه من قاعدته الانتخابية التي يعتمد عليها من اليمين المسيحي في الدفاع عن الانتخابات والوقوف في وجه من سرقوا وزوروا هذه الانتخابات.

 

وقد عبَّر وزير الجيش الأمريكي ريان ماكارثي(Ryan McCarthy) في مقابلة مع الأسوشياتد برس(The Associated Press) عن قلقه الشديد واعترافه الضمني من اختراق المتشددين من اليمين المسيحي المتطرف للأجهزة الأمنية عامة وتهديدها للأمن الداخلي عامة ومن احتمال القيام بأعمال عنف أثناء حفل التنصيب، سواء من الجنود والشرطة الموجودين منذ سنوات ويحملون أفكاراً وآراء لها علاقة بتفوق العرق الأبيض، أو من الذين تم تجنيدهم حديثاً وتأثروا بنظرية مؤامرة ترمب في سرقة الانتخابات وتزويرها. فقد أكد وزير الجيش في 17 يناير عن اشتراك بعض الجنود وبعض أفراد الحرس الوطني في مظاهرات اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من يناير وتم اعتقال البعض منهم، ولذلك فإن الجهات الأمنية المختصة وعلى رأسها مكتب التحقيقات الفيدرالية، تقوم بعملية تمشيط شاملة ودقيقة للسيرة الذاتية وملفات أكثر من 25 ألف جندي من الحرس الوطني الذين سيشاركون في تأمين عملية التنصيب.

 

كما أبدى وزير الجيش في الوقت نفسه عن تخوفه من الإرهاب الداخلي والتهديدات التي قد تنبع من هؤلاء الجنود القادمين من عدة ولايات والذين قد يكونوا مجندين حديثاً أو ضباط سابقين لهم أفكار متطرفة يستغلها اليمين. وأضاف الوزير قائلاً بأن المسؤولين على وعي وعلم بالتهديدات الداخلية المحتملة التي قد تشكلها جماعات موجودة في الحرس الوطني والتي تؤمن بمثل هذه الأفكار المتطرفة التي بثها ترمب في أن الانتخابات مزورة وأنها قد سرقت من الشعب الأمريكي، وأن على الشعب التحرك لاستعادة هذه الانتخابات، كما حذَّر الوزير كبار الضباط على أن يكونوا مستعدين وفي يقظة تامة من أية مؤشرات، أو تحركات مشبوهة من قبل بعض الأفراد من الحرس الوطني. وبالفعل تم إعفاء 12 جندياً من الحرس الوطني من مهمة تأمين يوم التنصيب، حسب ما ورد في صحيفة الواشنطن بوست في العشرين من يناير.

 

كذلك اعترف السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال(Richard Blumenthal) عن قِدم ظاهرة اختراق اليمين المتطرف للجيش الأمريكي عندما قال:"قضية تفوق العرق الأبيض والأفكار المتطرفة داخل الجيش ليست جديدة، ولكن الهجوم على الكابيتول أكد لنا بوضوح على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة فوراً".

 

ولذلك نجد بأن عهد الرئيس السابق ترمب قدَّم فرصة ذهبية لا تُعوض لليمين المسيحي المتطرف والميليشيات اليمينية المسلحة، فوفر لها من جهة الغطاء السياسي العميق غير المسبوق بصفته رئيساً للبلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن جهة ثانية الغطاء الأمني، فقدم لها تسهيلات لاختراق أكبر وأشمل للأجهزة الأمنية بكافة أنواعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق