الخميس، 16 سبتمبر 2021

تقرير جديد حول الإرهاب الداخلي الأمريكي


زادت التقارير والدراسات التي تُنشر في الولايات المتحدة الأمريكية حول الإرهاب عامة، والإرهاب الداخلي خاصة، وارتفعت أعداد هذه التقارير الرسمية وغير الرسمية، الحكومية وغير الحكومية التي تكاد تُجمع على ظاهرة واحدة وحقيقة واضحة الآن وهي أنه بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر بالتحديد فإن الإرهاب الداخلي المتمثل في الجماعات المسيحية المتطرفة بمختلف أسمائها وأهدافها أكبر وأشد من الجماعات الإسلامية، أي أن الإرهاب المسيحي المتشدد يتفوق على الإرهاب الإسلامي المتطرف في الداخل الأمريكي.

 

وآخر هذه التقارير نُشر في العاشر من سبتمبر من العام الجاري، حيث أَجرتْ مجموعة فكرية تنظيرية تُطلق على نفسها "أمريكا الجديدة"(The New America thinktank) في العاصمة واشنطن أربع دراسات تحليلية معمقة وشاملة حول الإرهاب عامة وتلك المتعلقة بحوادث القتل الإرهابية التي ارتكبت في داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. 

 

فهذه الدراسة الشاملة المستقلة تأتي تحت عنوان رئيس هو:"الإرهاب في أمريكا بعد 11 سبتمبر"، ونُشرت في سلسلة مكونة من أربعة أجزاء. أما الجزء الأول فعنوانه: "الحالات الإرهابية: 2001 إلى اليوم"، والثاني عنوانه:"من هم الإرهابيين؟، والجزء الثالث فجاء تحت عنوان:"لماذا يدخلون في الإرهاب". والجزء الرابع والأخير فجاء تحت عنوان:"ما هو التهديد للولايات المتحدة الأمريكية اليوم؟"، حيث قام بالدراسة فريق"برنامج الأمن الدولي"(International Security Program). وقد غطت الدراسة حوادث القتل الإرهابية التي ارتكبت في داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر، والتي حسب الدراسة بلغت 251 عملية إرهابية قاتلة، حيث أَجْرت تقيماً موضوعياً لتفاصيل هذه العمليات من ناحية هوية وأفكار الذين ارتكبوا هذه العمليات الإرهابية ضد الأبرياء والجماعات والجهات التي ينتمون إليها. وقد خلصت الدراسة إلى عدة استنتاجات جوهرية هامة جداً منها:

أولاً: جماعات اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية تشمل الجماعات التي لها مواقف ضد الحكومة الاتحادية، والميليشيات المسلحة، وجماعات تفوق العرق الأبيض، إضافة إلى الجماعات التي تقف ضد الإجهاض، وأما جماعات "الجهاديين" فهي التي تؤمن بفكر أسامة بن لادن ولكنها موجودة في الداخل الأمريكي كمواطنين أمريكيين، ولا تحصل على دعم أو تدريب من جماعات إرهابية خارج الحدود الأمريكية.  فجماعات اليمين المتطرفة بمختلف أسمائها وأهدافها قتلت من الأمريكيين أكثر من "الجهاديين منذ كارثة الحادي عشر من سبتمبر قبل عشرين عاماً، حيث ارتكبت أكثر من 36 هجمة عنيفة، وقُتل فيها 114 أمريكياً، وفي المقابل ارتكب "الجهاديين" الموجودون في أمريكا 14 هجمة، مات فيها 107.

 

ثانياً: هناك عدة أسباب تقف وراء انتهاء الهجمات من الجماعات الإسلامية القادمة من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، من أهمها المعلومات الاستباقية التي تحصل عليها الأجهزة الأمنية المعنية بالهجمات الإرهابية، فالمخابرات والمعلومات التي تصل إلى الجهات الأمنية من أجهزة المخابرات نفسها ساهمت بنسبة 48%، والمعلومات من أفراد أسر الجماعات الإسلامية ومن المجتمع الذي يعيشون فيه ساهم بنسبة 23%،  ومن عامة الناس ساهمت بنسبة 8%.

 

ثالثاً: الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت بدرجةٍ كبيرة الإرهاب الداخلي من جماعات اليمين المسيحي المتطرفة بالرغم من الكارثة الإرهابية العظيمة التي وقعت في مدينة أوكلاهوما في ولاية أوكلاهوما، حيث قام تيموثي ماكفاي وهو يميني مسيحي أبيض متشدد بتفجير مبنى اتحادي في عام 1995، وقتل على الفور 168 وجرح أكثر من 680. ومن أهم أسباب التجاهل هي كارثة الحادي عشر من سبتمبر التي حرَّفت بوصلة وكالات الأمن الأمريكية كلياً نحو الإرهاب من الجماعات الإسلامية. وهذا التجاهل المتعمد زاد بنسبة كبيرة أثناء حكم الرئيس ترمب، حيث وفر الغطاء السياسي والأمني لهذه الجماعات حتى وقوع كارثة احتلال مبنى الكونجرس في السادس من يناير من العام الجاري. وهذا الاستنتاج يتفق مع التقرير المنشور في الأول من سبتمبر من العام الجاري من "مركز برينان للعدالة"(Brennan Center for Justice) في جامعة نيويورك تحت عنوان: "كيف يمكن مكافحة عنف جماعات تفوق العرق الأبيض"، حيث جاء فيه بأن الحكومة الأمريكية غضت النظر عن إرهاب وعنف اليمين المتشدد، ولم تعيره الاهتمام الذي يتناسب مع عدد وحجم الجرائم التي ترتكبها، وفي معظم الأحيان كانت تعتبرها جرائم بسيطة محلية وليست إرهابية، كما أنها لم تعتبرها تهديداً واقعياً للمجتمع الأمريكي.

 

فمن خلال اطلاعي على التقارير الحكومية الرسمية الصادرة من الوكالات الأمنية المختلفة، إضافة إلى التقارير والدراسات التي تنشرها مراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات والجماعات الفكرية التنظيرية، فإنني أرى بأن هناك شبه إجماع اليوم على أن الإرهاب الداخلي من جماعات اليمين المسيحي المتطرف في إزدياد كبير مع الوقت، وأن هذا الإرهاب يشكل تهديداً واقعياً ومتنامياً يهز كيان المجتمع الأمريكي من داخله، كما أن هناك إجماعاً في أن هذه الجماعات المسيحية المتطرفة أشد وطأة وتأثيراً من الجماعات الإرهابية الإسلامية على الولايات المتحدة الأمريكية. وآخر دليل على هذا الإجماع هو التقرير الجماعي المشترك من جميع أجهزة المخابرات وبعض الوزارات الحكومية كوزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي والصادر لأول مرة من "مكتب مدير المخابرات القومية"(Director of National Intelligence) في 17 مارس من العام الجاري تحت عنوان: "التهديد المتنامي من التطرف العنيف الداخلي"، حيث جاء فيه بأن "المتشددون المحليون العنيفون"(Domestic Violent Extremists) يُشكلون "تهديداً كبيراً" لأمن واستقرار البلاد، وهؤلاء يمثلون عدة مجموعات منها الجماعات المسيحية اليمينية، وجماعات تفوق العرق الأبيض، والميليشيات المسلحة، إضافة إلى الجماعات المؤمنة بنظرية مؤامرة كُيو أنُون التي تنشر الكثير من المعلومات المضللة والكاذبة والغريبة.

 

 كذلك يؤكد لي وجود هذا الإجماع المتزايد، هو الكلمة التي ألقاها الرئيس الجمهوري السابق المحافظ جورج بوش الإبن في ذكرى كارثة الحادي عشر من سبتمبر في 11 سبتمبر من العام الجاري، حيث قارن بين الإرهاب المسيحي المتطرف الداخلي مع إرهاب منفذي كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وقدَّم أوجه التشابه بينهما، فقد حذّر بشدة من تهديد الإرهاب الداخلي قائلاً: "لقد رأينا أدلة متزايدة على أن الأخطار على بلدنا يمكن أن تأتي ليس فقط من خارج الحدود، بل من العنف المتزايد في الداخل... هناك بعض الارتباط بين عنف المتطرفين في الخارج وعنف المتطرفين في الداخل فهما نِتاج الروح البغيضة نفسها، ومن واجبنا المستمر مواجهتها".

 

والآن بعد كل هذه الأدلة الميدانية والدراسات المنهجية والتقارير الأمنية هل ستنحرف البوصلة الأمنية من التركيز على الإرهاب من بعض الجماعات الإسلامية إلى الاهتمام بالإرهاب الداخلي الناجم عن اليمين المسيحي المتطرف والعنيف؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق