الخميس، 15 سبتمبر 2022

هل نستطيع منع الإصابة بالسرطان؟


مازال الغموض الشديد يحيط بمرض السرطان العصيب الذي ينزل على الإنسان دون سابق إنذار فيأخذه على حين غره، ومازالت هناك الكثير من الأسرار التي لم يكتشفها العلماء بعد حول هذا المرض الخبيث، فخفايا وألغاز المرض أكثر من الحقائق التي يعرفها الأطباء، ولذلك في الكثير من الحالات التي يُصاب بها الإنسان بنوعٍ من أنواع السرطان الكثيرة، تبقى أسبابها محيرة وغير محددة، ومصادرها مجهولة، وأسبابها غير معروفة.

 

فهناك الكثير من الدراسات التي عزت سبب السقوط في شباك السرطان بالعوامل الوراثية غير المحددة، أو الجينات غير معروفة المصدر والتي يحملها الإنسان من آبائه وأجداده، ولا دور له أو مسؤولية في وجودها في جسمه. 

 

فعلى سبيل المثال هناك دراسة منشورة في المجلة المرموقة "الطبيعة" في يناير عام 2015، إضافة إلى البحث المنشور في مجلة علم الأورام للجمعية الطبية الأمريكية في يناير 2015، حيث توصلتا إلى استنتاج عام هو أن نحو 65% من حالات الإصابة للسرطان هي لا إرادية، أي لا دَخل للإنسان نفسه في الوقوع فيها، وليست لها علاقة بما يتعرض له في حياته من مؤثرات وملوثات مسرطنة، في حين أن قرابة  20 إلى 40% من حالات الإصابة بالسرطان ترجع لأسباب لها علاقة بتصرفات الفرد اليومية ونمط وأسلوب حياته، أي أنه يتحمل مسؤولية الإصابة به، مما يعني أننا نستطيع منع التعرض له كلياً.

 

كذلك نَشَرتْ مجلة "العِلم" في 24 مارس 2017 دراسة متكاملة حول الأسباب المحتملة للتعرض للسرطان، تحت عنوان: "السرطان والعامل الذي لا يمكن تجنبه"، وهذه الدراسة شملت مَرضى مصابين بـ 17 نوعاً من السرطان يعيشون في 69 دولة مختلفة. وفي هذه الدراسة قدَّم العلماء سبباً آخر للإصابة بالمرض وهو متعلق بكيفية استنساخ الخلايا، أو استنساخ الـ "دي إن أيه" في الجسم، حيث أكدت الدراسة بأن الجزء الأكبر من التغيرات التي تطرأ على الخلايا والتي تُكَون الخلايا السرطانية يكون بسبب استنساخ وانقسام الخلايا بطريقة غير مُنتظمة وبصورة عشوائية، أي حدوث طفرات وتغييرات في التركيب الجيني للخلايا لا تفسير علمي لها، أو وقوع أخطاء عند انقسام الخلايا لا يَعرف أحد تفسيرها، فتتحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية، وأُطلِقَ العلماء على هذا السبب الجديد بأخطاء الاستنساخ (replication errors)،أو العامل (R)، وأنا شخصياً أُطْلِقْ عليه بعامل "القضاء والقدر".

 

كما قامت هذه الدراسة بتقديم تحليلٍ كمي لنسبة مساهمة العوامل المعروفة في التعرض للسرطان بأنواعه المختلفة، حيث أفادت بأن 95% من حالات الإصابة بسرطان البروستات، والمخ، والعظام ترجع لأخطاء تنتج عند انقسام الخلايا أو العامل (R)، أو عامل الصدفة والقضاء والقدر، و 77% من تعرض الإنسان لسرطان البنكرياس مرتبط بهذا السبب، ولكن 35%  فقط من سرطان الرئة له علاقة بالصدفة والقضاء والقدر والخطأ في انقسام الخلايا، حيث إن الإصابة بسرطان الرئة له علاقة قوية بالتعرض للملوثات البيئية من مصادرها الكثيرة كالتدخين والشيشة وعوادم السيارات وغيرهما. وعلاوة على هذه الاستنتاجات، فقد أكدت الدراسة على أن نحو 66% من إجمالي السقوط في هذا المرض العضال ينجم عن الصدفة والقضاء والقدر الذي لا دور للإنسان في الوقوع فيه، في حين أن 29% ينتج لأسباب بيئية وأسلوب حياة الإنسان وممارساته اليومية وعاداته، و 5% فقط يعزى للجينات غير السليمة التي تنتقل إلينا من الآباء، أو العامل الوراثي.

 

والدراسات حول مصدر وأسباب هذا المرض الغامض مازالت مستمرة لتكشف نسبة مساهمة العوامل المجهولة وغير المحددة للإصابة بالمرض مقارنة بالعوامل التي تحت أيدينا ونستطيع التحكم فيها ومنعها. فهناك بحث منشور في العشرين من أغسطس 2022 في المجلة الطبية المعروفة "لانست"(THE LANCET) تحت عنوان: " العبء العالمي للسرطان الذي يُعزى إلى عوامل الخطر، تحليل منهجي لدراسة العبء العالمي للأمراض 2019". فهذه الدراسة أُجريت في 204 دول من كل قارات العالم، وقامت بتقييم وتحليل حالات الإصابة بالسرطان في الفترة من 2010 إلى 2019، ثم تقدير دور ومساهمة 34 نوعاً من المخاطر والسلوكيات والعادات اليومية والبيئة التي نعيش فيها عند الإصابة بـ 23 نوعاً من السرطان، مثل الرئة والحنجرة والقولون والمعدة والثدي والمبيض والرحم والكبد والبنكرياس والدم والمثانة والكلية.

 

وقد قسمت الدراسة المخاطر التي بأيدينا تجنبها والتخلص منها والتي تمنع الإصابة بالسرطان إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي مخاطر بيئية ومهنية متعلقة بتلوث الهواء في بيئة المنزل وبيئة العمل والبيئة بشكلٍ عام، والقسم الثاني هو مخاطر سلوكية لها علاقة بعاداتنا وممارساتنا اليومية مثل التدخين وشرب الخمر ووجباتنا الغذائية من الناحية النوعية والكمية وأنواع الرياضة التي نمارسها وحالتنا النفسية من القلق والإكتئاب ومدى تعرضنا لأشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية من مصابيح تغيير لون الجلد، إضافة إلى المخاطر الحيوية.

 

وقد توصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات عامة على المستوى الدولي. فأحد هذه الاستنتاجات هو أن المخاطر التي بأيدينا تجنبها ونتحمل مسؤوليتها قد تسببت في عام 2019 في موت 4.45 مليون إنسان، منهم 2.88 مليون رجل و 1.58 مليون إمرأة، وهي تمثل نسبة 44.4% من الوفيات بسبب السرطان على المستوى الدولي، وهذه النسبة أعلى من تقديرات عام 2001 التي بلغت 35%، فالعوامل المتعلقة بسلوكياتنا والبيئة التي نعيش فيها قد زادت بنسبة 20.4% من إصابتنا بالسرطان خلال الفترة من 2010 إلى 2019. وهذا يعني أن العوامل التي تسبب السرطان وبإمكاننا تجنبها تزيد مع الوقت، وعلينا إذن واجب الامتناع عنها ونبذها من حياتنا اليومية حتى نقلل من احتمال وقوعنا في شباك السرطان.

 

والاستنتاج العام الثاني فهو أن الخطر الأكبر المؤدي إلى الإصابة بالسرطان عند الرجال والنساء هو التدخين أولاً، ثم شرب الخمر ثانياً، وتأتي البدانة والوزن الزائد المفرط والسلوكيات الجنسية المنحرفة والخاطئة في المرتبتين الثالثة والرابعة من خطورة الإصابة بالسرطان. وكل هذه الأسباب المؤدية للسرطان نستطيع بتغيير عاداتنا وممارساتنا اليومية أن نتخلص منها ونبعد عن أنفسنا شبح هذا المرض العقيم.

 

والاستنتاج الثالث فهو أن السرطان يُعد السبب الثاني للوفيات على المستوى الدولي، ولذلك واكبت الأمم المتحدة نتائج هذه الدراسات وأصدرت في عام 2015 وثيقة "أهداف التنمية المستدامة" وهي مكونة من 17 هدفاً، حيث جاء في الهدف الثالث، البند رقم (4): تخفـيض الوفيــات المبكــرة الناجمــة عــن الأمــراض غـير المعديــة(مثل السرطان) بمقــدار الثلــث مــن خــلال الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة والسلامة.

 

وانطلاقاً من هذه الاستنتاجات التي تمخضت عن دراسات كثيرة حول السرطان، أقترح وضع سياسات وإجراءات محددة على المستويين الحكومي والفردي لخفض أعداد المصابين من هذا المرض ومنع الإصابة به. أما على المستوى الحكومي فأقترح اتجاهين لهذه السياسات، الأول هو الكشف المبكر عن المرض، والتشخيص الصحيح، وتوفير أحدث أنواع الأجهزة والإجراءات الخاصة بعلاج المرض. والاتجاه الثاني فهو منع أسباب ومصادر المرض من المجتمع، مثل منع التدخين وشرب الخمر، فما تحصدها الدولة من ضرائب على السجائر والخمر تذهب كلها، بل وأكثر منها في الانفاق على الأعداد المتزايدة من مرضى السرطان وغيرها من الأمراض المزمنة التي لها علاقة بالتدخين والخمر. وأما على المستوى الفردي فيجب على الجميع دراسة أسباب المرض التي ذكرناها سابقاً والتي بأيدينا تجنبها، والأخذ بالأسباب والعمل بتغيير نمط الحياة والسلوكيات لتكون أكثر استدامة من الناحية الصحية، وبخاصة الوقاية من السرطان، واتباع منهج الإسلام الذي يقول "إعقلها وتوكل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق