الخميس، 29 ديسمبر 2022

هل سنضطر مستقبلاً إلى السماح لبيع سجائر الحشيش؟


مع الانتخابات النصفية التي تُجرى عادة في نوفمبر كل سنتين لمجلسي الشيوخ والنواب، إضافة إلى المناصب السياسية والإدارية على مستوى الولايات، تُجرى في الوقت نفسه استفتاءات شعبية على مستوى بعض الولايات الأمريكية على القضايا الحيوية الحساسة بالنسبة للشعب الأمريكي في كل ولاية على حدة.

 

ومن هذه الاستفتاءات قضية تحليل الحشيش، أو المعروف في أمريكا بالماريوانا ونبتة القنب(cannabis)، واستطلاع رأي المواطن الأمريكي في الولاية خلال عملية التصويت للسماح لاستخدام الحشيش، إما لأغراض طبية وأغراض الدواء والعلاج، وإما لأغراض شخصية للترفيه والترويح عن النفس.

 

ففي التصويت الذي أُجري في التاسع من نوفمبر 2022 في خمس ولايات هي ميرلاند وميسوري وأركنساس ونورث ديكوتا وساوث ديكوتا حول السماح لتعاطي الحشيش للترفيه عن النفس ولأغراض شخصية، وافقت ولايتان هما ميرلاند وميسوري على السماح لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية، وبالتالي دخلت هاتان الولايتان في القائمة السوداء التي حللت استخدام الحشيش للترفيه عن النفس، فأصبح مجموع الولايات حتى الآن 21 ولاية أمريكية، إضافة إلى العاصمة واشنطن.    

 

ولذلك نشاهد بأن تحليل استعمال الحشيش للأغراض الشخصية والترفيه عن النفس على مستوى الولايات الأمريكية كل على حدة في ارتفاع ملحوظ في كل سنة، وهذا السماح لاستخدام الحشيش لم يأت بين عشية أو ضحاها، ولم يقع في يوم واحد وبصورة مفاجئة، وإنما جاء هذا السماح بشكلٍ تدريجي بطيء، وعلى مراحل كثيرة استغرقت أكثر من خمسين عاماً من العمل الدؤوب والجهد الشيطاني المستمر، والذي مازال مستمراً ولن يتوقف أبداً لعددٍ كبير من المنتفعين من تحليل الحشيش، وفي مقدمة القائمة شركات التبغ والسجائر التي تبحث عن بديل لتعويض خسائرها من بيع السجائر التقليدية المقيدة.

 

فالمرحلة الأولى، والخطوة الأولى للسماح للحشيش بدأت بفك الحزام قليلاً عن الحشيش من ناحية العقوبات والتجريم، حيث تجرأتْ أول ولاية أمريكية هي ولاية أوريجن في عام 1973 بعدم تجريم كل من يُمسَك وبحيازته كميات بسيطة من الحشيش لأغراضه الشخصية، فلا يدخل السجن، ولا يدفع أية غرامة مالية لحيازته لهذه الكمية الفردية للحشيش. وبعد أن فُتح باب عدم تجريم حيازة الحشيش، تشجعت الولايات الأخرى للدخول في هذا الباب فاتخذت هذا الموقف نفسه، وتبنت هذه السياسة الأولى للتعامل مع قضية الحشيش.

 

فقضية منع تجريم حيازة الحشيش كانت المدخل الشيطاني لتحليل الحشيش على كافة المستويات، والمفتاح الذي فتح كل الأبواب شبه المغلقة، حتى بلغت القضية إلى السماح لجميع الاستخدامات بدءاً بالاستعمالات الطبية والعلاجية في عام 1996 في ولاية كاليفورنيا، وأخيراً السماح لحيازة الحشيش واستخدامه بصفة شخصية وللترفيه والترويح عن النفس. فشهر نوفمبر من عام 2012 كان فاتحة الاستخدام الشخصي، حيث صوَّت سكان ولايتي كولورادوا وواشنطن لصالح حيازة الحشيش وتعاطيه بصفة شخصية، وأخيراً كان في نوفمبر 2022، حيث وافق سكان ولايتي ميريلند وميسوري على هذا النوع من الاستخدام. وأما المحصلة الإجمالية الحالية للقائمة السوداء التي دخلت في نفق استخدامات الحشيش فهي 33 ولاية للاستعمال الطبي، و 21 ولاية إضافة إلى العاصمة واشنطن قامت بتحليل الحشيش للاستخدام الشخصي، وأعضاء هذه القائمة في ازدياد كل عام، حتى أن هذا المد التوسعي سيعم يوماً ما كل ولايات أمريكا، بل وفي تقديري سيغطي ويكتسح كل دول العالم.

 

فعلى المستوى الاتحادي فإن تحليل الحشيش يمشي الآن في المراحل نفسها التي مرَّ بها على مستوى الولايات. فمن المعلوم حالياً بأن الحشيش يقع على المستوى الاتحادي ضمن الجدول رقم (1) للمواد المحظورة والمقيد استخدامها والتي ليست لها فوائد طبية وعلاجية، مثل الهيروين والـ(LSD) ويمكن أن يساء استخدامه، استناداً إلى قانون عام 1970 حول "المواد المقيد استخدامها" (Controlled Substances Act). ولكن الرئيس بايدن بدأ بالخطوة الأولى والمرحلة الأولى من التعامل مع الحشيش، حيث أصدر إعلاناً في السادس من أكتوبر 2022 تحت عنوان: "الإعلان عن العفو عن الجرائم البسيطة المتعلقة بحيازة الحشيش". وهذا الإعلان يتكون من نقطتين هامتين، الأولى هي العفو على المستوى الاتحادي عن المجرمين الذين أُدينوا بتهم حيازة المخدرات بكميات قليلة، كما دعا بايدن حكام الولايات إلى اتخاذ القرار نفسه للإفراج عن مسجوني حيازة الحشيش على مستوى كل ولاية، وأما النقطة الثانية فهي إعلانه بأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لإجراء مراجعة شاملة، وبالتحديد حول وضع الحشيش في الجدول الأول وتصنيفه ضمن المواد المحظورة والتي لا فائدة منها.

 

ومما يشجع الرئيس بايدن على اتخاذ مثل هذه الإجراءات هو أولاً التشريع الذي أصدره مجلس النوب في الأول من أبريل 2022 بعدم تجريم حيازة الحشيش على المستوى الاتحادي، وثانياً الارتفاع المطرد مع الزمن في نسبة المواطنين الأمريكيين الذين يرغبون في السماح لاستخدام الحشيش. فاستطلاعات الرأي التي قامت بها عدة جهات مختصة مثل(Pew Research Center) و (Gallup poll) أفادت بأن 68% من الأمريكيين يريدون السماح لاستخدام الحشيش، مقارنة بنسبة 12% عام 1969، ونسبة 31% عام 2000، ثم 50% عام 2013. كما أفادت الإحصاءات بأن 16% من الشعب الأمريكي يدخن الحشيش ومعظمهم من الشباب من 18 إلى 34، مقارنة بنسبة 7% في عام 2013. كذلك أشارت الاستطلاعات في 30 أغسطس 2022 بأن 48% من الشعب أفادوا بأنهم جربوا تدخين الحشيش، في حين أن النسبة كانت لمن جرب تدخين الحشيش 4% فقط في 1969، ثم 24% في 1977، و 33 في 1985، وارتفعت إلى 40% في 2015. 

 

ولذلك في تقديري فإن قضية تحليل الحشيش على المستوى الفيدرالي الأمريكي هو مسألة وقت، ووقت قصير جداً، حيث ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعدها بتوزيع وتصدير هذا المنتج الخبيث إلى كل دول العالم، كما هي تصدر السجائر التقليدية والسجائر الإلكترونية، وستستخدم نفوذها السياسي لتأمين هذا التصدير، وستفرض على الدول قبول هذا المنتج الجديد.

 

والسؤال المشروع الذي أطرحه الآن: ماذا سيكون موقفنا في البحرين خاصة، وموقف دول مجلس التعاون عامة من استيراد منتجات الحشيش، مثل سجائر الحشيش، والمواد الغذائية التي تحتوي على الحشيش، وخاصة أن للولايات المتحدة الأمريكية علاقات تجارية قوية واستراتيجية مع دول مجلس التعاون، مثل اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين، والتي تُلزم كل دولة موقعة على قبول منتجات الدولة الثانية دون تحفظ؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق