الاثنين، 20 مارس 2023

البحرين الرابعة عالمياً في تلوث الهواء

كثر الحديث في وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي الجماعي حول التقرير المنشور في 14 مارس 2023 والمتعلق بجودة الهواء في مدن ودول العالم أجمع، إضافة إلى القائمة التي وردت في التقرير عن الدول الأشد تلوثاً للهواء الجوي، والأكثر تدهوراً من ناحية جودة الهواء. وقد أشار التقرير إلى أن البحرين تحتل المرتبة الرابعة في قائمة المدن، أو الدول الأسوأ من ناحية جودة الهواء الجوي الذي يستنشقه الإنسان ويتعرض له في كل ثانية من حياته.

 

وكان لا بد لي أن أقف أمام هذه المعلومات الخطيرة التي في مضمونها التهديد العميق والمستمر لصحة المواطن البحريني، والتي تنعكس مباشرة على نوعية الأمراض التي سنقع فيها حالياً وفي المستقبل، والتي لا شك بأن أعداد المرضى ستكون كبيرة جداً ومتفاقمة كل عام نتيجة لهذا التلوث.

 

فبداية أقف أمام مصدر التقرير وكيفية الوصول إلى المعلومات والأرقام التي جاءت فيه. فهذا التقرير السنوي عن تلوث الهواء في مدن ودول العالم يصدر من شركة سويسرية اسمها "أي كيو أير (IQAir)، وهي تعمل في مجال تقنيات جودة الهواء، ومتخصصة في الحماية من ملوثات الهواء الجوي، وبدأت منذ خمس سنوات في نشر تقارير سنوية حول جودة الهواء في مدن العالم، والتقرير الذي نتحدث عنه اليوم هو الخامس ويقع تحت عنوان "التقرير الدولي لعام 2022 حول جودة الهواء"(IQAir World Air Quality Report 2022).

 

فهذا التقرير الأخير المنشور في 14 مارس 2023 يُقدم تركيز الدخان، أو المعروف علمياً بالجسيمات الدقيقة التي قطرها أقل من 2.5 ميكروميتر(2.5 um)من مصادرها التي لا تعد ولا تحصى، وهذه الجسيمات الدقيقة تُصنَّف الآن بأنها تسبب السرطان إلى الإنسان، علاوة على أمراض القلب والجهاز التنفسي التي تجعل الإنسان يلقى نحبه في سنٍ مبكرة. وقد تم اعتماد 7323 موقعاً في المدن من 131 دولة حول العالم لعام 2022، حيث استخلصتْ وحُللت المعلومات من عدة مصادر منها 30 ألف محطة تقيس مباشرة ملوثات الهواء الجوي، إضافة إلى تقدير تركيز هذه الجسيمات الدقيقة من قراءات الأقمار الصناعية. كما قامت بتبني توصيات منظمة الصحة العالمية التي وضعتها في سبتمبر 2021، والمتعلقة بالمعدل السنوي الآمن لتركيز الجسيمات الدقيقة في الهواء الجوي، وهو 5 ميكروجرامات للجسيمات الدقيقة في المتر المكعب من الهواء، علماً بأن المواصفة السابقة كانت 10.

 

وتوصل التقرير بعد مقارنة نتائج تركيز الجسيمات الدقيقة في دول العالم بتوصيات منظمة الصحة العالمية كمرجعية علمية في هذا المجال إلى ما يلي:

أولاً: هناك 13 دولة فقط من بين 131 دولة تتمتع بهواء صحي ونقي بالنسبة لتركيز الدخان في الهواء الجوي، منها على سبيل المثال أستراليا، وأوستوانيا، وفنلندا، وجرينلاند، وآيسلندا، ونيوزلندا، أي أن هناك 118 دولة، أو نحو 90% من دول العالم يعاني الناس فيها من هواء ملوث يفوق ويتجاوز توصيات منظمة الصحة العالمية. وهذه النتيجة تتوافق مع استنتاجات الدراسة الشاملة المنشورة  في مارس 2023 في المجلة المرموقة "اللانست، صحة الكوكب"(The LANCET Planetary Health)، تحت عنوان: "الدراسة الدولية الأولى حول تلوث الهواء يومياً تُبين بأنه لا يوجد مكان آمن على الأرض"، حيث أكدت على أن نسبة صغيرة جداً من البشر، وهي قرابة 0.001% فقط يستنشقون هواءً عليلاً نقياً خالياً من الملوثات ويتوافق مع مواصفات منظمة الصحة العالمية حول الحدود الآمنة لجودة الهواء بالنسبة للجسيمات الدقيقة. وبعبارة أخرى فإن 99.99% من البشر الذين يعيشون على سطح الأرض يستنشقون هواءً فاسداً مشبعاً بالملوثات، وبخاصة الجسيمات الدقيقة. كما أن نتائج الدراسة أفادت أيضاً بأن 0.18% من مساحة الكرة الأرضية فقط هي التي نستطيع أن نقول بأنها مازالت عذراء بكر لم تبلغها هذه الملوثات. وبعبارة أخرى فإن هذه النتيجة تشير إلى أن 98.8% من مساحة كوكبنا، بما في ذلك البحرين، قد بلغها داء التلوث بالدخان الدقيق.

 

ثانياً: قدَّم التقرير قائمة بأشد الدول تلوثاً بالنسبة للجسيمات الدقيقة في الهواء لعام 2022، حيث جاءت دولة تشاد في المرتبة الأولى من سلم الدول الأسوأ من ناحية جودة الهواء، وبلغ المعدل السنوي لتركيز الدخان 89.7 ميكروجرام لكل متر مكعب، وهذا المعدل أعلى 17 مرة من معيار منظمة الصحة العالمية، ثم كانت العراق في المرتبة الثانية بتركيز 80.1، وثالثاً جاءت باكستان، ثم في المرتبة الرابعة جاءت البحرين بمعدل تركيز سنوي نحو 66.6 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء الجوي، وهذا أعلى 13 مرة من توصيات منظمة الصحة، وبعد البحرين كانت  بنجلادش، وبوركينا فاسو، والكويت، والهند، حيث تجاوز معدل التركيز 50.

 

ثالثاً: لو قُمنا بمراجعة التقارير السابقة من عام 2017 إلى 2021 لوجدنا تغيراً في ترتيب الدول الأسوأ من ناحية جودة الهواء، فالأولى هي مدينة لاهور في باكستان، ثم في المرتبة (13) جاءت العاصمة العراقية بغداد، وفي المرتبة (47) عالمياً كانت البحرين، فالمعدل بالنسبة للجسيمات الدقيقة في البحرين بلغ في عام 2017(62.5)، وفي 2018(59.8)، وفي 2019(46.8)، وفي 2020(39.7)، وأخيراً في عام 2021 بلغ معدل التركيز السنوي 49.8 ميكروجرام لكل متر مكعب.

 

رابعاً: اطلعتُ على تقارير دولية أخرى حول جودة الهواء في دول العالم، ولم أجد إجماعاً على الترتيب لاختلافها في مصدر المعلومات، ومنهجية الدراسة، ومرجعية المواصفات الخاصة بالجسيمات الدقيقة، ومنها التقارير الدورية تحت عنوان: "حالة الهواء على المستوى الدولي"(State of the Global Air) لعام 2020، والذي يشمل 196 دولة والمنشور من (Washington Institute for Health Metrics and Evaluation)، إضافة إلى تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020 لعدد 109 دولة تحت عنوان: "الدول الأكثر تلوثاً عالمياً لعام 2020". وفي هذه التقارير لا توجد البحرين ضمن قائمة الدول الأشد تلوثاً، علماً بأن هناك تقارير دولية أخرى لا تتناول الملوثات الأولية المعروفة كالدخان، وإنما غاز ثاني أكسيد الكربون، وفي هذه التقارير نجد بأن دول الخليج تقع بشكلٍ عام في المراتب الأولى، حيث إن هذا الغاز لا علاقة له مباشرة بجودة الهواء وإنما بظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

خامساً: هناك مصدران للدخان أو الجسيمات الدقيقة في الهواء الجوي، الأول طبيعي، أي يخرج عن سيطرة الإنسان كالعواصف الترابية والرياح المحملة بالغبار، والثاني صناعي أي ينبعث من المصانع، ومحطات توليد الكهرباء، والسيارات، إضافة إلى حرق الغاز الطبيعي وعمليات استخراج النفط. وهناك انطباع سائد في دولنا بأننا لا نتحمل مسؤولية ارتفاع الجسيمات الدقيقة في الهواء، فلا نلوم أنفسنا لهذا التلوث بسبب العواصف الترابية المستمرة، ولكن الدراسة المنشورة في مجلة "اتصالات الأرض والبيئة"( Communications Earth & Environment) تحت عنوان: "تلوث الغلاف الجوي الشديد في الشرق الأوسط مصدر بشري"، تفيد بنتائج جديدة ومثيرة. فقد استنتجت الدراسة أولاً بأن الغبار والأتربة تعتبر المصدر الرئيس لتدهور جودة الهواء في منطقة الشرق والأوسط ورفع مستوى التلوث فيها، وثانياً، وهو المهم، فإن نسبة الجسيمات الدقيقة من المصادر الصناعية البشرية تمثل أكثر 90% من مجموع الجسيمات، وهي أكثر خطورة وأشد وطأة وتنكيلاً بالصحة العامة لأنها دقيقة جداً ومجهرية وتحمل في بطنها المئات من الملوثات السامة والمسرطنة، مقارنة بالأتربة الطبيعية التي جسيماتها تعد كبيرة نسبياً وقد لا تخترق أعماق الجهاز التنفسي فتصل إلى الرئتين ومجرى الدم، ثم إلى كل خلية من خلايا جسم الإنسان. وجدير بالذكر فإن أنشطتنا التنموية تسببت أيضاً في زيادة العواصف التي تحمل الغبار والأتربة من الصحاري بسبب تدهور الغطاء النباتي في الصحراء، وانكماش مساحة الأراضي المزروعة التي تثبِّت التربة وتمنع تحرك الأتربة.

سادساً: لا توجد معلومات تنشرها دولنا حول جودة الهواء الجوي بالنسبة للملوثات الأولية والثانوية، والتي تشتمل على الجسيمات الدقيقة، ولذلك نعتمد دائماً على المصادر الأجنبية التي تقوم في بعض الحالات إلى "تقدير" نسبة الملوثات في دولنا لندرة المعلومات الصحيحة.

وختاماً إذا أردنا أن نصل إلى الحقيقة بالنسبة لجودة الهواء في البحرين، علينا وبكل بساطة نشر المعلومات المتوافرة من أجهزة رصد ومراقبة ملوثات الهواء في جميع محافظات البحرين، وبالتحديد معدل التركيز اليومي، والشهري، والسنوي لجميع الملوثات، فمن حقوق المواطن الأساسية التعرف على الهواء الذي يستنشقه، وأن يتمتع بالعيش في بيئة نظيفة وصحية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق