الأربعاء، 15 مايو 2013

التدخل الأوروبي في الشأن البريطاني الداخلي



صَبَرَ الاتحاد الأوروبي كثيراً على ممارسات بريطانية اللابيئية منذ سنوات حتى نفد صبره وضاق ذرعاً بالوضع البيئي السيء، وبالتحديد بالنسبة لنوعية الهواء التي يتعرض لها المواطن البريطاني، فاضطر الآن إلى اتخاذ إجراءات تؤدي في المستقبل المنظور إلى فرض غراماتٍ ماليةٍ ضخمةٍ لعلها ترتدع وتصلح من أحوالها البيئية المتدهورة.

فقد حَكمتْ المحكمة البريطانية العليا على ضرورة التزام بريطانيا بالقوانين الأوروبية المتعلقة بجودة الهواء الجوي وحماية صحة المواطنين من هذا التلوث القاتل، والعمل بشكلٍ فوري وعاجل على خفض تركيز الملوثات التي تهدد الأمن الصحي للناس، وأكد هذا الحُكم على فشل الحكومة البريطانية في اتخاذ الإجراءات والخطوات العملية اللازمة لخفض نسبة الملوثات في الهواء الجوي خلال العقد الماضي، ولذلك جاء هذا الحكم الحازم والقوي الذي يصدر لأول مرة من محكمةٍ بريطانيةٍ عليا، وهذا الحكم يمهد الطريق للاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات قانونية ضد بريطانيا تتمثل في فرض غراماتٍ مالية ثقيلة ترهق كاهل الميزانية الحكومية المريضة أصلاً.

فهذا الحكم التاريخي يؤكد أن قضية تلوث الهواء الجوي ليست قضية بيئية فحسب، وإنما هي قضية صحية في المقام الأول، فقد تواترت الدراسات البيئية والطبية وأجمعت على أن تلوث الهواء يؤدي إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة وعلى رأسها سرطان الرئة، كما أن التلوث ينجم عنه مشكلات في القلب وموت الإنسان بسبب تصلب الشرايين والسكتة القلبية، وتؤكد الإحصاءات البريطانية الرسمية على أن تلوث الهواء يؤدي إلى الموت المبكر لزهاء 29 ألف بريطاني سنوياً.

كما أن هذا الحكم في حد ذاته من جهة، وتدخل الاتحاد الأوروبي في الشأن البيئي الداخلي لبريطانيا من جهة أخرى يثبتان على أن تلوث الهواء ليس أمراً يستهان به، أو قضية هامشية يمكن تجاهلها وغض الطرف عنها، كما أنه ليس شأناً سيادياً داخلياً للدول لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه، وإنما هو قضية هامة وحيوية تخص أيضاً الدول المجاورة بسبب ما يُعرف بالتلوث عبر الحدود الجغرافية وعبر الدول والقارات، فالملوثات لا تحتاج إلى تأشيرة لتعبر وتدخل الحدود الجغرافية للدول الأخرى.

وأتمنى هنا أن يكون لمجلس التعاون هذا الدور البيئي، كما للاتحاد الأوروبي، بحيث يكون هناك تنسيق وتعاون دائمين في الشأن البيئي، ويكون هذا التعاون فاعلاً  وحازماً لا تصدر عنه قوانين وأنظمة على الورق فقط، وإنما يكون فاعلاً وملموساً في الواقع البيئي اليومي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق