السبت، 18 مايو 2013

هل أجهزة الإنذار المُبَكر للإشعاع مجدية؟



وَقَعتْ الحادثة التاريخية الشهيرة وهي احتراق مفاعل تشرنوبيل النووي لتوليد الطاقة بالقرب من مدينة بربيات(Pripyat) في أوكرانيا عند الساعة الواحدة صباحاً يوم 26 أبريل 1986، ومنذ اللحظة التي انفجر فيها المفاعل، انبعثتْ أحجام كبيرة من الملوثات الصلبة والغازية المُشعة بشكلٍ فوري ومباشر إلى الهواء الجوي، وأخذتْ هذه الإشعاعات في الانتشار بسرعة فائقة في جميع شرايين الكرة الأرضية، بدءاً بغرب الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية، وغرب وشمال قارة أوربا، ثم المناطق الواقعة شرق أمريكا الشمالية. 

وقد انتشرت هذه الإشعاعات النووية المميتة دون أن يعلم أحد عن ذلك، فقد التزمت السلطات الحكومية المعنية بالصمت والسكوت، وأحاطت هذه الكارثة بالكتمان والسرية الشديدة، وحاولت التغطية كلياً على أكبر حادثة تلوث بيئي يشهده التاريخ.

وبعد مرور يومٍ واحد من تسرب هذه الإشعاعات وانتشارها في الجو وفي الكثير من دول العالم، أي في يوم 27 أبريل 1986، دقتْ أجراس الإنذار في محطة فورسمارك النووية لتوليد الطاقة(Forsmark Nuclear Power Station) في السويد محذرةً بارتفاع نسبة الإشعاع في الهواء الجوي وفي ملابس العمال في المحطة. وفي الوهلة الأولى ظن فنيو المحطة أن هناك تسرباً إشعاعياً صادراً من المحطة نفسها، وبعد التحقيق المستمر تبين أنه من مصدرٍ خارجي، وأنه قادم من جهة الاتحاد السوفيتي. وعندها قامت الجهات الدبلوماسية المعنية بالاتصال بالقنوات الخاصة بوزارة الخارجية في الاتحاد السوفيتي للتعرف على مصدر الإشعاع، إلا أن المسئولين السوفييت أنكروا في البداية وجود أي تسربٍ إشعاعي، ثم أُجبروا بعد تقديم الأدلة الداحضة على الاعتراف باحتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل وانبعاث الملوثات المشعة، وذلك في 28 أبريل 1986، أي بعد يومين من وقوع الكارثة، وبعد أن تغلغل السُم المُشع في كافة أعضاء الأرض، وبعد أن وقع الخراب، وعَمَّ التدمير للبيئة والإنسان. 

ولذلك أؤكد من هذه التجربة الواقعية المريرة على أن أجهزة الإنذار المبكر لا جدوى فعلي من وجودها من ناحية الكشف الفوري عن مصادر الإشعاع الخارجي التي تأتي عبر الحدود الجغرافية، فهذه الأجهزة تُنذر وتُحذر الإنسان بعد أن يصل الإشعاع إليها من المصادر الخارجية، أي بعد انتشار الملوثات الإشعاعية في البيئة وتعرض الإنسان وكافة مكونات البيئة الحية وغير الحية لهذه الإشعاعات القاتلة.

ومن هذا المنطلق فإنني أدعو إلى تنفيذ أمورٍ أربعة لدرء شرِّ التسربات المشعة ومنع تهديداتها علينا، وبخاصة التسربات التي قد تصل إلينا من مصادر خارج البلاد. أما الأمر الأول فهو التعرف على كافة مصادر الإشعاع النووية في داخل البحرين والدول المجاورة، سواء أكانت مصادر ثابتة كمحطات توليد الكهرباء والمفاعلات النووية المستخدمة في الأبحاث العلمية، أو كانت مصادر متحركة كالسفن الحربية وغير الحربية العاملة في مياه الخليج العربي والتي تعمل بالطاقة النووية، ثم تحديد مواقعها وأنواع المواد المشعة التي قد تتسرب عنها.

والأمر الثاني هو التأكيد على وضع أجهزة كشف عن الإشعاع في مواقع هذه المصادر التي قد تنجم عنها تسربات إشعاعية، وذلك من أجل المعرفة الفورية والمباشرة لأية انبعاثات نووية قد تنطلق منها، سواء نتيجة لأنشطتها اليومية في الظروف التشغيلية العادية، أو بسبب الحوادث التي قد تقع لهذه المفاعلات النووية. 

أما الأمر الثالث فهو توقيع مذكرات تفاهم، أو اتفاقيات مع الدول المجاورة التي بها مفاعلات نووية أو لديها سفناً تتحرك بالطاقة النووية في مياه الخليج العربي وقد تكون مصدراً للإشعاع النووي. ومن أهم بنود هذه الاتفاقية إبلاغ الدول مباشرة وفورياً بأية حادثة تسرب نووي. والأمر الرابع والأخير  فهو استعداد الدولة نفسها من جميع النواحي لمواجهة أية إشعاعات قد تصل إلينا، ووضع خطة طوارئ يتم التدريب على تنفيذها بشكلٍ دوري.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق