الأحد، 26 مايو 2013

ما هي أنسب طريقة للتخلص من القمامة في البحرين؟


كَثُر الحديث في الأيام القليلة الماضية عن القمامة المنزلية أو المخلفات الصلبة البلدية وبالتحديد حول الموقع الحالي لدفن هذه المخلفات في منطقة المحاجر وعن انتهاء العمر الافتراضي لهذا المدفن لاستقبال كمية إضافية من المخلفات الصلبة خلال السنوات القليلة القادمة.

وفي الحقيقة فإني سعيد جداً من هذا الاهتمام بقضية القمامة التي يعتبرها الكثير من المعنيين والمسئولين قضية هامشية وبسيطة ولا تستعدي الاهتمام والرعاية وتضييع الوقت والمال، فهم يختصرون ويختزلون هذه القضية الكبيرة برمتها في عمليتين فقط هما الجمع من المصدر ثم التخلص النهائي من خلال الدفن فقط، علماً بأن عملية إدارة القمامة أصبحت الآن عِلْمَاً متخصصاً يُدرس في الجامعات المرموقة ويُعرف بعلم القمامة(Garbology)، وينال الطلاب الذين يدرسون هذا العلم ويُجْرون الأبحاث لسبر غورها على درجات الماجستير والدكتوراه، كما يُطلق على العالم في هذا التخصص العلمي الهام بعالم القمامة(Garbologist).

ويُعزا السبب في هذا الاهتمام بإدارة القمامة لأسباب كثيرة منها أنها قضية صحية في الدرجة الأولى فتَرْك القمامة دون إدارتها بأسلوب سليم من الناحيتين البيئية والصحية يؤدي إلى انتشار الأمراض المزمنة، كما هو معروف في التاريخ الحديث عن انتشار الأوبئة في بعض الدول نتيجة لإهمال التخلص من القمامة، وهي ثانياً قضية بيئية من حيث إن تركها يؤدي إلى تلوث الهواء والماء والتربة وتنجم عنها مشكلات بيئية خطيرة تهدد الأمن الصحي للإنسان والحياة الفطرية، وهي ثالثاً قضية تقنية وفنية، فإدارتها يحتاج إلى الكثير من الحلول التقنية والأجهزة والمعدات الحديثة، حيث تقوم علي هذه القمامة الكثير من الصناعات الحديثة المتخصصة، إضافة إلى ضرورة توافر الكفاءات العلمية والفنية المؤهلة لتشغيل وصيانة هذه الأجهزة. وأخيراً فقضية القمامة المنزلية اقتصادية واجتماعية حيث إن بعض دول العالم تستفيد من كل مكونٍ بسيطٍ من هذه القمامة وتعتبرها ثروة متجددة يعيش عليها الملايين من البشر، كما إن الكثير من دول العالم المتقدم تنشئ صناعات على مكونات هذه القمامة وتقوم بتدويرها وتحويلها إلى منتجات نافعة.

وقد أعطيتُ هذه القضية جُل اهتمامي عندما كنت أستاذاً للدراسات البيئية في جامعة الخليج العربي من خلال الدراسات والأبحاث التي نشرتها منذ الثمانينيات من القرن المنصرم، إضافةً إلى إعداد كتابٍ خاص بتكليفٍ من الهيئة البلدية المركزية في عام 1992 تحت عنوان: القمامة المنزلية وطرق الاستفادة منها.

وفي هذا الكتاب قدمتُ رؤيتي المستقبلية لأفضل السبل والطرق لإدارة القمامة استناداً على عدة معطيات هي أولاً كمية ونوعية المخلفات الصلبة التي تنتج سنوياً في البحرين، وثانياً المساحة الجغرافية الصغيرة للبحرين وأهمية الأرض اليابسة لاستخدامها للأعمال التعميرية والصناعية والزراعية والإسكانية بدلاً من دفن المخلفات، إضافة إلى عدم وجود مواقع مناسبة بيئياً للدفن، وثالثاً الزيادة المطردة للسكان، ورابعاً الارتفاع السنوي المشهود لأعداد السيارات والتي تحتاج إلى شوارع وطرق سريعة تستهلك مساحات واسعة من مساحة البحرين الضيقة.

وتتلخص هذه الرؤية في ثلاث نقاط رئيسة كالتالي:
أولاً: تبني سياسة وإستراتيجية الإدارة المتكاملة للمخلفات البلدية الصلبة التي تعتمد على منع إنتاج المخلفات من مصادرها، سواء أكانت من المنزل، أو المكتب، أو المحلات التجارية، واختيار أنسب الوسائل والطرق من الناحيتين البيئية والاقتصادية والفنية في كل مراحل إدارة المخلفات، بدءاً بعملية الجمع فالنقل ثم التخلص النهائي.

ثانياً: الاعتماد بشكلٍ رئيس على طريقة الحرق للتخلص من المخلفات البلدية الصلبة باستخدام أفضل التقانات المتوافرة من حيث انخفاض انبعاث الملوثات ومعالجتها قبل إطلاقها إلى البيئة، إضافة إلى الاستفادة من الحرارة الناجمة لتوليد الكهرباء.

ثالثاً: التفكير مستقبلاً في تبني بعض الأدوات الاقتصادية التي تهدف إلى تحفيز وتشجيع المواطنين والمقيمين إلى خفض إنتاجهم للمخلفات، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في عمليات تدوير وإعادة استعمال بعض مكونات القمامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق