الثلاثاء، 7 مايو 2013

كيف نتعامل مع التلوث الإشعاعي من مفاعل بوشهر؟



الزلزال الذي نزل على إيران مؤخراً أيقظ الناس من سباتهم العميق حول مخاطر هذه الزلازل بشكلٍ عام، وبخاصة على المفاعل النووي في بوشهر من حيث إحداث عطلٍ في المفاعل وإيقاف التيار الكهربائي، أو وقوع حريقٍ في بعض أجزائه وانبعاث الملوثات المشعة القاتلة إلى الهواء الجوي أو مياه البحر نتيجة لذلك.

وفي الحقيقة أنه كان من المفروض من الحكومات والشعوب التطرق إلى هذه القضية منذ اليوم الأول، وليس بعد إنشاء المفاعل بسنواتٍ طويلة ووقوع الزلازل، فهذه القضية ليست جديدة علينا، أو على المجتمع الدولي، والتداعيات الأمنية والبيئية والصحية التي قد تنجم عن المفاعلات النووية بشكلٍ عام قد عاصرناها وشاهدناها جميعاً، ومازالت هذه الآثار الخطرة على البيئة وصحة الإنسان نعاني منها إلى يومنا هذا، حتى بعد توقف التسربات الإشعاعية منذ سنوات طويلة.

فهناك الكثير من الكوارث التي وقعت في العقود الماضية بسبب التسربات الإشعاعية من المفاعلات النووية، أَذكُر منها ثلاث فقط على سبيل المثال وليس الحصر. فالأولى هي حادثة جزيرة الثلاثة أميال التي وقعت في 28 مارس 1979 في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، والثانية هي الكارثة الخالدة في ذاكرة البشرية والمتمثلة في احتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل بأوكرانيا في 26 أبريل 1986،والتي أدت إلى إخلاء المدينة برمتها من البشر حتى يومنا هذا، فتحولت إلى مدينة للأشباح خاوية على عروشها لا تسكنها إلا الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة. أما الكارثة الثالثة فهي قريبة العهد بنا جميعاً، وتتمثل في كارثة فوكوشيما في اليابان في11 مارس 2011، والتي شاهدنا وتابعنا تهديداتها الكبيرة وانعكاساتها القاتلة على اليابان وعلى العالم أجمع بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وستكون هذه التداعيات باقية لعقود طويلة قادمة من الزمن.

فالتخوف إذن والقلق من وجود مفاعل نووي بالقرب منك أمر مبرر ومشروع، ويُحتم عليك اتخاذ كل ما يلزم قبل إنشاء هذا المفاعل من وسائل تقنية، وأمنية، ودبلوماسية، وسياسية، وبيئية لمنع المخاطر التي قد تنجم عن المفاعل، أو في الأقل تخفيف حدة الضرر، وتضييق دائرة هذا الضرر إن وقع.

ومع الأسف أن جُل الحديث حول أساليب المنع تنصب على توفير أجهزة الإنذار المبكر للإشعاع، وهذه الأجهزة هي ليست لمنع الإشعاع أو منع وصوله إلى الناس القاطنين في منطقة المفاعل أو بالقرب منه، فهي أجهزة تقوم بدور التحذير والتنبيه إلى وجود إشعاع في الموقع الذي وضع فيه الجهاز، أي أن الإشعاع القاتل قد تسرب إلى الهواء، وتعرض له الناس مباشرة، ودخل إلى مكونات البيئة الحية وغير الحية، وأصبح جزءاً من السلسلة الغذائية للناس والحياة الفطرية، فالفائدة المرجوة من هذه الأجهزة طفيفة جداً ولا يجب التركيز عليها كأولوية في التعامل مع قضية التسربات الإشعاعية من المفاعلات النووية. والحادثة التي تؤكد مصداقية هذا الرأي هو وجود أجهزة الإنذار المبكر في الدول الأوروبية الواقعة بالقرب من مدينة تشرنوبيل التي احترق فيها المفاعل النووي، حيث أنذرت الناس بوجود نسبٍ مرتفعة من الإشعاع أعلى من الأيام الأخرى، ولكن بعد أن انتشر الإشعاع المميت في جميع أرجاء المعمورة، ولم تتمكن هذه الأجهزة من فعل أي شيء لإيقاف هذا الدمار البيئي والصحي.

ومن هذا المنطلق، فإن الحل الجذري يكمن في تنفيذ النقاط التالية. أما النقطة الأولى فهي التعرف على كافة مصادر الإشعاع النووية في داخل البحرين والدول المجاورة، سواء أكانت مصادر ثابتة كمحطات توليد الكهرباء والمفاعلات النووية المستخدمة في الأبحاث العلمية، أو كانت مصادر متحركة كالسفن الحربية وغير الحربية العاملة في مياه الخليج العربي والتي تعمل بالطاقة النووية، ثم تحديد مواقعها وأنواع المواد المشعة التي قد تتسرب عنها.

والنقطة الثانية فهي التأكيد على وضع أجهزة كشف عن الإشعاع في مواقع هذه المصادر التي قد تنجم عنها تسربات إشعاعية، وذلك من أجل المعرفة الفورية والمباشرة لأية انبعاثات نووية قد تنطلق منها، سواء نتيجة لأنشطتها اليومية في الظروف التشغيلية العادية، أو بسبب الحوادث التي قد تقع لهذه المفاعلات النووية. 

أما النقطة الثالثة فهي توقيع مذكرات تفاهم، أو اتفاقيات ثنائية أو إقليمية مع الدول المجاورة التي بها مفاعلات نووية، أو لديها سفناً تتحرك بالطاقة النووية في مياه الخليج العربي وقد تكون مصدراً للإشعاع النووي. ومن أهم بنود هذه الاتفاقية إبلاغ الدول مباشرة وفورياً بأية حادثة تسرب نووي. والنقطة الرابعة والأخيرة  فهي استعداد الدولة نفسها من جميع النواحي لمواجهة أية إشعاعات قد تصل إلينا، ووضع أجهزة تكشف الإشعاعات،إلى جانب خطة طوارئ يتم التدريب على تنفيذها بشكلٍ دوري.

وأهم من كل ما ذكرته، هو كثرة الابتهال والدعاء، والطلب من الله أن يجنبا المحن والكوارث ما ظهر منها وما بطن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق