الأحد، 28 أبريل 2013

هل نريد أن نصبح دولة نووية؟

قبل أن أدخلَ في تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال، أُذكركم بالزلزالين الذين ضربا إيرانوأديا إلى تدمير قرى بأكملها عن وجه الأرض، وكأنها لم تكن موجودة أصلاً وسقوط أعدادٍ كبيرة من الضحايا البشرية، وللطف الله بنا ورحمته لنا هذه المرة أن هذين الزلزالين لم يدمرا المفاعل النووي في بوشهر، فلم يحدثا أي تسرب إشعاعي قاتل إلى الهواء الجوي أو البيئات الأخرى.

فهذه الحادثة التي سَلِمَ من تداعياتها معظم الشعب الإيراني والشعوب الأخرى المجاورة لإيران، يجب أن تكون منطلق حديثنا عن اسْتمَاتتْ بعض الدول وصرف جل مواردها المالية والبشرية لكي تحصل على التقنية النووية فتُصنَّف ضمن مجموعة الدول النووية التي تمتلك الطاقة الذرية لأغراض سلمية أو عسكرية.

فلا شك بأن الحصول على الطاقة النووية بشكلٍ عام ضروري لأسباب كثيرة منها لحماية الأمن القومي، ومنها لتعزيز أمن الطاقة، ولكن هل هذان المبرران كافيان لوضع دولنا وشعوبنا أمام الأخطار والكوارث التي قد تنجم من استخدام هذه الطاقة؟ وهل الإيجابيات التي تكسبها الدولة أكبر من السلبيات؟

وهناك الكثير من المخاطر الكارثية التي قد تنجم عن وجود المفاعلات النووية، منها التسربات الإشعاعية، إما لأسباب طبيعية لا دَخْل للإنسان فيها، كوقوع الزلازل، والسونامي أو تيارات المد، وإما لأسباب بشرية نتيجة لأخطاء تُرتكب أثناء عمليات التشغيل. والتاريخ المعاصر يقدم لنا كشفاً لهذه الكوارث، منها حادثة جزيرة الثلاثة أميال التي وقعت في 28 مارس 1979 في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنها الكارثة الخالدة في ذاكرة البشرية وهي احتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل بأوكرانيا في 26 أبريل 1986والتي أدت إلى إخلاء المدينة برمتها من البشر حتى يومنا هذا، وأخيراً وليس آخراً كارثة فوكوشيما في اليابان في11 مارس 2011، والتي شاهدنا تداعياتها على اليابان وعلى العالم أجمع بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وستكون انعكاساتها باقية لعقود طويلة قادمة من الزمن.

فالتلوث الإشعاعي ليس كغيره من أنواع التلوث، فهو قد يهلك أمة بأكملها بشكلٍ مباشر لتعرضهم للإشعاعات القاتلة، أو يصيبهم جميعاً للأمراض السرطانية المزمنة التي تضعف الأمم والشعوب، كما إن التلوث الإشعاعي يَدخل في السلسلة الغذائية وينتقل تأثيره عبر الأجيال ولمئات السنين، ولا يمكن التخلص منه مهما صرف الإنسان من الأموال، ولا توجد تقنية فاعلة تمنع وصولها إلى الناس.

والتهديد الثاني الذي ينجم عن استخدام الطاقة النووية هو المخلفات المشعة والتي أُطلق عليها بمخلفات الدمار الشامل أو القنابل الموقوتة، وجميع الدول النووية دو استثناء تقف عاجزة أمام الأطنان من هذه المخلفات المشعة المكدسة في أراضيها. ولأُثبت لكم واقعية هذا التهديد، أُقدم لكم عرضاً مختصراً لمعاناة الدول النووية من هذه المخلفات.

فبريطانيا تعاني منذ ولادة أول طنٍ من المخلفات المشعة قبل أكثر من ستين عاماً، وهذا الأطنان في تزايد مطرد وتتراكم يوماً بعد يوم، وكل ما تقوم به بريطانيا هو التخزين الطويل الأمد في أعماق سحيقة تحت الأرض، ولا يعلم أحد التغيرات التي تطرأ عليها أو التسربات التي تنجم عنها.

 وكوريا الجنوبية منذ إنشاء أول مفاعل نووي لها في عام 1978 وهي تخزن مخلفاتها النووية في موقعٍ مؤقت للدفن، وهذا الموقع الآن بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة فلا يتحمل أية كمية جديدة أخرى، فماذا ستفعل كوريا للتعامل مع هذه المخلفات، وخاصة أن لديها الآن 23 مفاعلاً، وستضيف 11 مفاعلاً جديداً بحلول عام 2024؟
واليابان، فمصيبتها معقدة وكبيرة، فإضافة إلى المخلفات المشعة المخزنة لديها من السنوات السابقة، فإنها حالياً تبحث عن موقعٍ مناسب لدفن المخلفات المشعة الناجمة عن حرق المفاعل النووي في فوكاشيما. وفي ألمانيا هناك أكثر من 126 ألف برميل من المخلفات المشعة مدفونة تحت الأرض في شمال ألمانيا في مدينة (Remlingen) في منطقة أسي(Asse)للمناجم الملحية، وقبل أسابيع شرعت في مشروع يُكلف عشرة بلايين دولار لتنظيف المكان من الإشعاع، وإعادة ترتيب وإغلاق البراميل، وسيستغرق قرابة 30 عاماً!

أما الولايات المتحدة الأمريكية فأزمتها خانقة وكبيرة جداً، وقد كتبت عنها بصفةٍ خاصة في مقالات سابقة.

وعلاوة على هذه المخاطر والتهديدات، فإن الحصول على التقنية النووية والوقود النووي المتمثل في وقود اليورانيوم هو من شبه المستحيلات، فهي سرية للغاية وتحتكرها دول معروفة، ولذلك حتى ولو اشترينا مفاعلاً نووياً فسنكون عبيداً أذلاء مطيعين للدول الكبرى التي تقوم هي بتخصيب اليورانيوم وتبيعك هذا الوقود الذي يُشغل المفاعل، وبدونه سيصبح المفاعل خزاناً حديدياً لا روح فيه ولا قيمة له، وكلما نفد هذا الوقود النووي يجب عليك أن تشتري كمية جديدة فتُذل نفسك وتتوسل إلى هذه الدولة، وإذا ما وقع أي خلافٍ بينك وبين هذه الدولة لأي سببٍ من الأسباب فلن تتمكن الحصول على هذا الوقود النووي، وهنا ستكون الطامة الكبرى.

ولذلك علينا أن نوازن بين كل النقاط التي ذكرتها من حيث الإيجابيات والسلبيات، ثم نُقرر هل نريد أن نتحول إلى دولةٍ نووية أم لا؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق