السبت، 6 أبريل 2013

لماذا هربتُ من الصين؟


قبل أيام قرأتُ مقالاً في صفحة محطة سي إن إن الإخبارية على الإنترنت في باب الاقتصاد والأعمال تحت عنوان ”لماذا سأغادر الصين؟ “، وهذا المقال له مغازي ومعاني كثيرة يمكن أن نستفيد منها نحن في البحرين من حيث السياسة التنموية التي نضعها وننتهجها ونسير على هُداها.

كاتب هذا المقال هولندي الجنسية اسمه مارك دان جتس(Marc van der Chijs) ويعمل في الصين منذ 13 عاماً، وأسس العديد من الشركات العالمية المعروفة في مجال الإعلام والمعلومات، ولكن بعد هذه السنوات الطويلة التي قضاها في الصين قرر تركها ومغادرة الإمبراطورية التجارية التي كونها خلال هذه السنوات، والاستقرار في مدينة فانكوفر الكندية ليواصل أعماله وإدارة شركاته.

ويقول رجل الأعمال في مقاله بأنه قرر مغادرة الصين مُكرهاً ومجبراً لأنه قد أحب الحياة في الصين واعتبرها البلد الثاني له، ولكن نتيجة للتغيرات الجذرية والعميقة السلبية التي تغلغلت في جذور مكونات البيئة من تلوثٍ شديد، وفسادٍ كبير وقع على نوعية وكمية هذه المكونات من ماءٍ وهواء وتربة وانعكاس هذه التغيرات على صحة الإنسان، فقد اضطر إلى مغادرتها حفاظاً على صحته وصحة أبنائه وأسرته، وبذلك آثر حماية صحته ووقايتها من الأمراض والعلل على الأموال الطائلة التي كان يجنيها.

فالإحصاءات حول التدهور البيئي في الصين مخيفة جداً، حيث يفيد البنك الدولي أن أكثر من 700 ألف صيني يموتون سنوياً بسبب تلوث الهواء، كما تؤكد الاحصاءات الرسمية التي تنشرها الأكاديمية الصينية للتخطيط البيئي أن كُلفة تدهور البيئة على الاقتصاد الصيني في عام 2010 بلغت قرابة 230 بليون دولار، أو نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

فهذه الحالة التي أَقُصها عليكم، أصبحت الآن ظاهرة عامة مشهودة، وليست حالة فردية يمكن تجاهلها، وتتمثل هذه الظاهرة في هروب الكثير من رجال الأعمال، والقادة التنفيذيين للشركات، وإغلاق بعض الشركات متعددة الجنسيات لفروعها في الصين، أو هونج كونج، أو المدن المعروفة بشدة تلوثها، وتدهور بيئتها، وفساد ثرواتها الطبيعية.

فهناك، كما يعرف الجميع، عوامل ومقومات تجذب رجال الأعمال والشركات للاستثمار في بلدٍ ما، أو فتح المصانع وفروع للشركات الكبيرة في تلك البلاد، وهذه العوامل في السابق كانت تتلخص في استتباب الأمن والاستقرار السياسي، وانخفاض نسبة الضرائب المفروضة عليها، ووجود البنية التحتية السليمة والقوية من مطارات وشوارع وشبكات المعلومات والاتصالات، وهذه العوامل أُطلق عليها عوامل تقليدية قديمة كانت تؤخذ في الاعتبار لدى رجال الأعمال والمؤسسات التجارية، ولكن اليوم دخل عامل جديد ينافس العوامل التقليدية المعروفة في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية واستقطاب الشركات والمصانع متعددة الجنسيات، وهو العامل البيئي وسلامة عناصر البيئة في تلك الدولة، من وجود هواءٍ نقي وصحي، وماءٍ عذب وسليم، وتربةٍ صحية، وبيئةٍ خضراء جميلة، ومياه بحرٍ نظيفة وكثيفة بالتنوع الحيوي.

ولذلك نتيجة لتدهور الوضع البيئي في بعض المدن، كما هو الحال الآن في الصين، فقد أفل نجمها في جذب، أو استمرار بقاء الشركات والقيادات التنفيذية لهذه الشركات، فاضطروا إلى تركها واختيار مدنٍ أخرى تتوافر فيها العوامل التقليدية والعامل البيئي المستجد.

وهذه الظاهرة الجديدة يجب أن تدعونا في البحرين إلى التفكير بعمقٍ وجدية عند وضع سياساتنا التنموية المستقبلية والوسائل التي نتبعها في استقطاب رجال الأعمال والشركات الجديدة، فيجب أن نضع نصب أعيننا وفي قائمة أولوياتنا إيجاد البيئة الطبيعية الثَريَّة والغنية والصحية لإغراء الأفراد والشركات لاتخاذ البحرين مقراً دائماً لهم والاستثمار فيها، فالتنافس بين الدول شديد جداً في هذا المجال، ويجب أن نتغلب على المنافسين في الاستثمار المحلي في بيئتنا وحماية مواردها.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق