الجمعة، 12 أبريل 2013

كم تُسهم البيئة غير الملوثة في جذب المستثمرين؟


قبل أيام نشرتُ مقالاً تحت عنوان:لماذا هربتُ من الصين؟، وفي هذا المقال تناولت قصة أحد الرؤساء التنفيذين لإحدى الشركات الكبيرة في الصين، حيث يقول فيه بأنه ترك عمله في الصين بسبب التدهور الشديد والعميق الذي أصاب كافة مكونات البيئة، وبخاصة تلوث الهواء الذي تحول إلى ظاهرةٍ يومية يعاني منها الآن صحياً جميع المقيمين في المدن الصينية الكبيرة كمدينة بكين وشنغهاي.

وتعليقاً على هذا المقال، اتصل بي بعض الأخوة الفضلاء وقالوا لي بأن هناك عوامل أخرى تسهم أيضاً في مغادرة رجال الأعمال والشركات متعددة الجنسيات وتركهم للعمل في الصين. وإنني أتفق معهم كلياً، ولكن العامل البيئي، وبالتحديد تلوث الهواء والمياه، أصبح الآن شديد التأثير على متخذي القرار عند اختيارهم لفتح فروع شركاتهم في بلدةٍ محددة، أو الاستثمار فيها. فالعوامل التقليدية المعروفة التي تجذب المستثمرين تتمتع بها الكثير من مدن العالم، ولكن العامل البيئي منذ عقود قليلة تحول إلى ورقةٍ صعبة تفتقر إليها الكثير من مدن العالم الكبيرة، وأصبح عملة نادرة لا يمكن الحصول عليها بسهولة، فهناك القليل من المدن الحضرية الكبرى التي تتمتع بهواءٍ صحي ونظيف، ومياهُ بحرٍ صافية ونقية وأسماكها خالية من الملوثات، ومياهُ شربٍ سليمة، فمعظم هذه الدول قد تجذر التلوث في أعماق مكوناتها البيئية، وداء التلوث ضرب أطنابه في شرايينها، ومعاناة السكان اليومية من هذا الفساد البيئي معروفة لدينا ولا تخفى على أحد، والأمراض المزمنة الناجمة عنه في ازديادٍ مطرد وتؤكدها الأبحاث والدراسات الميدانية المنشورة وتقارير منظمة الصحة الدولية.

والأمر الذي جعلني أتأكد من صحة وصِدقِ مرئياتي هذه هي المقالات التي قرأتها بعد نشر مقالي الأخير، وجميعها تؤيد وتصب في نظريتي. ومن هذه المقالات المنشور في 4 أبريل في الصحيفة الأمريكية المعروفة كرسشن سينس مونيتر(The Christian Science Monitor) تحت عنوان:بكين تزدهر ولكن الكفاءات يتركون بسبب الهواء السيئ، فقد أفاد المقال بأن أعداد الأجانب الذين يغادرون الصين مع أسرهم في ازدياد مطرد، وأن بعض الشركات الكبيرة اضطرت إعطاء بعض الكفاءات العاملة لديها نوعاً خاصاً من العلاوات أُطلق عليها علاوة خطر من أجل تحفيزهم وتشجيهم على البقاء. وإضافة إلى مغادرة الأجانب، فإن بعض الصينيين أنفسهم يبحثون عن مدنٍ أخرى أقل تلوثاً وأحسن حالاً من الناحية البيئية لممارسة أعمالهم، حتى أن إحدى الشركات وهي شركة لتصنيع الهواتف النقالة تعرف بميزو(Meizu) وواقعة في مدينة زيوهاي(Zhuhai) الساحلية جنوب الصين، قامت بالإعلان عن وظائف جديدة تحت شعار التوظيف في السماء الزرقاء، أي في مدينةٍ غير ملوثة وهواؤها نقي وصحي، وكانت هذه الشركة تهدف إلى جذب المواهب والكفاءات العالية والمتميزة للعمل لديها، فاستغلت لذلك العامل البيئي لتحفيزهم وتشجيعهم إلى التقدم للعمل عندها.

كما أن المقال ينشر تصريحاً لرئيس شركةٍ تعمل على جلب الأجانب ذي الكفاءات العالية للعمل في الصين، حيث قال:سيكون التحدي كبيراً أمام مدينة بكين لجذب المواهب المتميزة إذا لم تتحسن نوعية الهواء الجوي، وأضاف قائلاً:إن المشكلات البيئية ستكون عقبة كبيرة أمام النمو الاقتصادي مستقبلاً.

وتأكيداً على صدق نظريتي، فقد حذرتْ الخارجية الصينية السفارة الأمريكية في الصين إلى التوقف عن نشر المعلومات المتعلقة بتلوث الهواء في بكين، والتي تحصل عليها السفارة من جهاز مراقبة الهواء الموضوع على سطح مبنى السفارة، وهذا التحذير يثبت لي اهتمام القادة الصينيين بقضية التلوث المستفحلة وبظاهرة العزوف عن العمل في المدن الصينية التجارية الكبرى من الصينيين وغير الصينيين بسبب تلوث البيئة.

ولذلك مما لا شك فيه أن العامل البيئي يفرض نفسه واقعياً كمُحَدد قوي ورئيس لجذب واستقطاب رؤوس الأموال والشركات متعددة الجنسيات، وفي تقديري أن هذا العامل البيئي يُسهم حالياً أكثر من العوامل التقليدية القديمة كوجود البنية التحتية والخدمات وانخفاض الضرائب، فإذا أردنا في البحرين أن نكسب رجال الأعمال ونشجعهم على الاستثمار عندنا، فعلينا أن نتفوق على الدول الـمـُـنَافسة لنا في مجال حماية البيئة وصيانة ثرواتها ورعاية صحتها، وإلا فلن نستطيع التفوق عليهم وملاحقتهم في المجالات الأخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق