الجمعة، 17 مايو 2013

أهمية دعم الحكومة لمشاريع تدوير المخلفات


عادةً ما تكون المشاريع الصناعية القائمة على تدوير المخلفات بأشكالها وأنواعها المختلفة من صلبة وسائلة وغازية غير مجدية اقتصادياً، وتكون دائماً في مهب أي ريحٍ غير مرغوبة تهب على الدول، فتتأثر هذه المصانع مباشرة بحركة هذه الرياح التي تمر عليها فتسقط مفلسة عند أول محنة اقتصادية ومالية، كما تقذفها تقلبات السوق وتغيرات أسعار المواد الطبيعية يميناً تارة، ويساراً تارة أخرى، كما حدث بالفعل للكثير من شركات ومصانع تدوير المخلفات التي أغلقت أبوابها، وأعلنت إفلاسها، وسرحت موظفيها عند دخول العالم في نفق الكساد الاقتصادي المظلم منذ عام 2009،  ولذلك نجد أن القطاع الخاص يتخوف في أغلب الأحيان من الدخول في هذا النوع من العمليات الصناعية، ويتجنب الاستثمار فيها.

هذا العزوف من القطاع الخاص والمستثمرين عامة من الولوج في بحر صناعة إعادة استعمال المخلفات، أو تدوير الملوثات يُشكل أزمة كبيرة للحكومات والشركات الصناعية إلى حدٍ سواء. فالحكومات في نهاية المطاف هي المسئولة عن حماية بيئاتها، وهي المعنية بالحفاظ على مكونات البيئة من التلوث ومن تراكم وتكدس المخلفات، ومنعها من الانتقال إلى الهواء، أو المسطحات المائية، أو التربة، وبخاصة أمام المجتمع الدولي عندما تقوم الحكومات بالتوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحماية عناصر البيئة من ماءٍ وهواءٍ وتربة وصيانة التنوع الحيوي النباتي والحيواني في هذه الدولة.

فمن المعاهدات الدولية المعنية بأحد الملوثات التي تنبعث من المصانع بشكلٍ عام عند احتراق الوقود هو اتفاقية التغير المناخي وبالتحديد بروتوكول كيوتو الذي صدقت عليه مملكة البحرين، والذي يلزم الدول الصناعية ويوجه الدول الأخرى على خفض انبعاثات بعض الملوثات وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون، وغازات أخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز وغازات الفريون. ولذلك على البحرين الوفاء بهذه الالتزامات والتعهدات الدولية والعمل على خفض انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ خاص، ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال أولاً تحديد الشركات التي تنبعث منها أحجام كبيرة من هذه الملوثات، وثانياً التعاون معها في إيجاد أنسب الحلول العملية والواقعية التي يمكن تنفيذها، وأخيراً تقديم الدعم المعنوي والمادي لهذه الشركات.

ومن المناسب هنا ذكر مثال واحد يوضح الفكرة التي أطرحها في هذا المقال. فعند صناعة غاز الأمونيا والميثانول السائل في شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات(جيبك) تَنتُج مادة ثانوية هي ثاني أكسيد الكربون بنسبٍ عالية، وهذا الغاز يعد من أخطر الغازات المتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، ولذلك قامت هذه الشركة المرموقة بضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد. الأول هو الاستفادة من هذه المخلفات الغازية والقيام بتدويرها لإنتاج اليوريا، والثاني فهو منع انبعاث هذا الملوث إلى الهواء الجوي وبالتالي أسهمت هذه الشركة في الحد من ظاهرة التغير المناخي على المستوي والمحلي، أما الثالث فهو دعم مملكة البحرين في الالتزام بتعهداتها في خفض انطلاق هذا الغاز إلى الهواء. وبالرغم من هذا الإسهام المشكور، إلا أنه مازالت هناك أحجام أخرى من ثاني أكسيد الكربون بحاجة إلى قيام مشاريع لتدويره والاستفادة منه، وأتمنى من الحكومة دعم هذا المشروع الجديد لما له من فوائد مباشرة لمملكة البحرين على كافة المستويات السياسية والبيئية والاقتصادية.

كذلك هناك أزمة المخلفات البلدية الصلبة في البحرين والتي تزيد أحجامها بشكلٍ مطرد ملحوظ ستسبب حتماً مشكلة كبيرة إذا لم تتم معالجتها عاجلاً وبأسلوبٍ بيئي واقتصادي وصحي. فمكونات هذه المخلفات تُعد ثروة لبعض الدول، وبخاصة الدول الفقيرة حيث تقوم عليها العديد من الصناعات الخفيفة، ولكن بالنسبة لدولة البحرين فإن إنشاء مصانع تقوم بتدوير بعض عناصر القمامة غير مجدية اقتصادياً، ولذلك إذا لم تتدخل الدولة بدعم هذه المشاريع فستتفاقم المشكلة، وترتفع تكاليف التخلص منها إلى درجةٍ كبيرة جداً ترهق كاهل ميزانية الدولة. 

ولذلك من الحكمة بيئياً واقتصادياً وسياسياً هي تشجيع وتحفيز القطاع الخاص للولوج في مشاريع تدوير وإعادة الاستفادة من محتويات القمامة من خلال تقديم الدعم المالي المباشر، أو خفض الضرائب على الأجهزة والمعدات، أو خفض فاتورة الكهرباء، فالرابح الأول هي الدولة نفسها، فهي تربح بيئياً، وصحياً، واقتصادياً، وسياحياً، وسياسياً على المدى القريب والبعيد.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق