الاثنين، 16 سبتمبر 2013

التغير المناخي "خدعة واحتيال"



لو قال إنسانٌ جاهل قليل العلم لا يفقه شيئاً في أمور البيئة وقضاياها المعقدة بأنه لا يعترف بظاهرة التغير المناخي وحدوث ارتفاعٍ مشهود في درجة حرارة الأرض في السنوات الماضية لكُنْتُ ممن يعذره على قناعته هذه لأن هذا هو مستوى علمه وثقافته وأفق تفكيره، ولكن عندما يقول رجل مرموق في الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل ملايين المواطنين الأمريكيين المثقفين بأنه لا يعترف بالتغير المناخي، بل ويذهب أبعد من ذلك عندما يصف هذه الظاهرة العالمية التي تمس كل كائنٍ حي يعيش على سطح الأرض بأنها خدعة واحتيال، فهذا أمر غير مقبولٍ إطلاقاً، ولا يمكن تبريره مهما كانت الدواعي والأسباب ومهما كانت الضغوط التي تمارس عليه.   

فقد صرح عضو اللجنة العلمية في الكونجرس الأمريكي الجمهوري دانا روهراباشر(Dana Rohrabacher) في العاشر من أغسطس أن التغير المناخي خدعة واحتيال، وأنه مؤامرة من قبل العلمانيين والليبراليين من أجل تكوين حكومة دولية للتحكم في حياتنا.

وقد جاء هذا التصريح الشاذ والغريب من هذا النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا منذ 24 عاماً، رداً على النائبة الديمقراطية باربارا بوكسر(Barbara Boxer) عن ولاية كاليفورنيا، والتي قالت بأن الحرائق الهائلة والمدمرة التي هَبَّت على جنوب كاليفورنيا واستمرت نحو شهرٍ واحد فأكلت الأخضر واليابس، كانت بسبب التغير المناخي.

كما استرسل هذا النائب في غيه وتصريحاته المسيسة والبعيدة عن الواقع الفعلي والحقائق العلمية قائلاً إن المعلومات عن التغير المناخي تأتي من عصابة متآمرة من العلماء والسياسيين الليبراليين، إضافة إلى منظمات الأمم المتحدة، وهذه القوى جميعها تحاول اغتصاب حرية أمريكا والتحكم في حياتنا وتغيير أنماط حياتنا.

والجدير بالذكر والغريب في الوقت نفسه أن هذا النائب العضو في اللجنة العلمية في الكونجرس لا يقف وحيداً ضد الاعتراف بدور الإنسان وأنشطته في وقوع ظاهرة التغير المناخي، إذ أن هناك أعضاء آخرون يُشككون في حدوث التغير المناخي كلياً، ويُغَيِّبون مسئولية الإنسان عن وقوعه، مثل النائب الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما ماركوين مولن(Markwayne Mullin)، والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في السنوات الأولى من فترة رئاسته. فمن الملاحظ أن معظم المشككين السياسيين في واقعية التغير المناخي ومسئولية الإنسان في حدوثه هم من الحزب الجمهوري ومن المحافظين، والذين عادة ما يمثلون الطبقة الغنية الثرية والإقطاعية في المجتمع الأمريكي، ويقعون تحت الهيمنة المباشرة لجماعات الضغط في واشنطن، وبخاصة من اللوبي الذي يمثل ويرعى مصالح شركات استخراج وتوزيع الفحم والبترول ومصانع توليد الكهرباء والطاقة، فمصالح هذه الشركات العملاقة مرتبطة بإنكار أي دور للإنسان في التغير المناخي، أو بعبارة أخرى إنكار تأثير الملوثات التي تنبعث من هذه الشركات والمصانع في المساهمة في رفع درجة حرارة الأرض، وبالتالي تجنب اتخاذ أية إجراءات علاجية أو وقائية لخفض انبعاث الملوثات من شركاتهم ومصانعهم وتوفير ملايين الدولارات تبعاً لذلك.

ولكن مهما قالوا أو اعتقدوا، فإن الحقائق العلمية المتعلقة بمساهمة أنشطة الإنسان في التغير المناخي تتضح يوماً بعد يوم وتنكشف كأشعة الشمس في رابعة النهار وتؤكد على واقعية هذا الدور. فالتقرير الدوري للجنة الأمم المتحدة شبه الحكومية حول التغير المناخي(Intergovernmental Panel on Climate Change)، وبالتحديد التقرير الخامس الذي صدر هذا الشهر، أثبت بمصداقية عالية مساهمة الإنسان الملموسة في حدوث التغير المناخي وازدياد تكرار وقوع مظاهر تتمثل في رفع سخونة الأرض، وارتفاع مستوى سطح البحر، وانصهار الجليد بصورة أسرع وعلى نطاق واسع، وكثرة وقوع الأعاصير والفيضانات، كما أفاد التقرير بأن الملوثات المتهمة بالتغير المناخي رفعت معدل درجة حرارة الأرض 0.6 درجة مئوية منذ عام 1950، وبحلول عام 2100سترفع ما بين درجة واحدة إلى 3.7درجة مئوية.

ولذلك علينا وعلى دول العالم جمعاء الاستعداد بحزمٍ وجدية لتداعيات هذه الظاهرة العالمية، واتخاذ كافة الخطوات لمنع تفاقمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق