الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

قمر صناعي خاص لمراقبة اشعاعات تشرنوبيل وفوكوشيما


عندما سُئل مؤخراً مدير محطة تشرنوبيل للطاقة النووية إهورجراموتكين(IhorGramotkin) حول متى سيكون موقع المحطة آمناً للسكن للناس فأجاب: في الأقل 20 ألف سنة. وهذا الجواب في الواقع ليس من باب المبالغة في طول الزمن، ولكن هذه هي الحقيقة المــرَّة التي يجب أن يعرفها كل إنسان، فهناك عناصر مشعة إذا دخلت في مكونات البيئة فستظل مشعة آلاف السنين، مثل عنصر البلوتينيم(239) الذي يستمر في الإشعاع أكثر من 24 ألف سنة.

 

وهذا الواقع المؤلم في تشرنوبيل لا يختلف عنه كثيراً ما حدث في محطة فوكوشيما في اليابان، مما اضطر المعنيون في الدولتين من عقد اجتماعات مشتركة لتبادل المعلومات والخبرات وتبني خطوات عملية لمواجهة الكارثتين النوويتين، حيث اتفق الجانبان الياباني ممثلاً في وزير الخارجية(Fumio Kishida)، والأوكراني ممثلاً في وزير خارجيتها(Leonid Kozhara) في 26 أغسطس من العام الجاري على البدء في مشروعٍ بيئي بَحتْ يتمثل في إطلاق قمرٍ صناعي خاص في عام 2014 لمراقبة التغيرات البيئية في مناطق وقعت فيها أكبر حادثتين بيئيتين وصحيتين في التاريخ، وهما بالتحديد انفجار المفاعل الرابع في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، واحتراق محطة دايشي لتوليد الكهرباء في فوكوشيما في اليابان في 11 مارس 2011.

 

فهذا المشروع سيستفيد من أحدث الأجهزة والتقنيات التي توصل إليها الإنسان في مجال الاستشعار عن بعد من الفضاء، وسيقوم بالمراقبة الجوية لما يحدث على سطح الأرض في هاتين المنطقتين، وبالتحديد من ناحية جمع المعلومات عن حجم انبعاث الملوثات المشعة إلى الهواء الجوي وتأثيرات سقوط هذه المواد المشعة على المناطق المتضررة بالقرب من المحطتين،كما سيقوم هذا القمر الذي يزن 60 كيلوجراماً وقطره 50 سنتيمتراً على التقاط صورٍ فضائية مرة كل ساعتين من على ارتفاع نحو 600 كيلومترٍ، إضافة إلى المعلومات الأرضية التي يحصلون عليها من قياس تركيز الملوثات المشعة عند المنطقتين.

 

وقد جاء هذا المشروع البيئي المكلف جداً بسبب استمرار تداعيات هاتين الكارثتين حتى يومنا هذا، واستمرار انبعاثات الملوثات عنهما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. فبالنسبة لكارثة تشرنوبيل، فإنه بالرغم من مرور أكثر من 27 عاماً على وقوعها إلا أن تأثيراتها مازالت مشهودة في القرى والمدن القريبة من موقع الكارثة والتي تم إخلاؤها كلياً وإجلاء معظم سكانها حتى الآن، حيث بلغت مساحتها نحو 2600 كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بأكثر من ثلاثة أضعاف، فتحولت هذه المساحات الخالية إلى بيئةٍ خصبة للحيوانات المفترسة والطيور الليلية. وعلاوة على ذلك، فإن التأثيرات الخطرة للإشعاعات تعدت حدود أوكرانيا فوصلت أيضاً إلى المدن الأوروبية التي تبعد آلاف الكيلومترات عنها. فعل سبيل المثال، مازالت هناك حقول ومزارع في المناطق المرتفعة في مقاطعات بريطانيا، كمقاطعة ويلز واسكتلندا متضررة بنسبٍ عالية من الإشعاع في التربة والحيوانات التي ترعى في تلك المناطق، ولذلك مازال حظر استهلاك بعض هذه الحيوانات وبيعها مستمراً في هذه الحقول.

 

ولذلك هناك أعداد كبيرة من العمال والفنيين الذين مازالوا يعملون في مفاعل تشرنوبيل من أجل إدارة والتحكم في التسربات المنبعثة منها مباشرة، أو من مكونات البيئة الحية وغير الحية التي تسممت بالإشعاع فتَحَولتْ نفسها إلى مصادر مشعة.

 

أما بالنسبة لمحطة دايشي النووية في فوكوشيما فالأمر أدهى وأمر، وأشد فتكاً بصحتنا وصحة بيئتنا، وتداعياتها الحقيقية الحالية والمستقبلية لا يعلمها إلا الله. ولذلك قامت الكثير من الدول باتخاذ إجراءات وقائية حاسمة تتمثل في حظر دخول المنتجات البحرية وغير البحرية إلى دولهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت كوريا الجنوبية ممثلة في وزارة المحيطات والأسماك في 6 سبتمبر 2013 منع استيراد الأسماك والمنتجات البحرية الأخرى من ثمان مقاطعات يابانية، مهما كانت نسبة الإشعاع في هذه الأسماك والمنتجات، سواء أكانت النسبة مسموح بها دولياً أو غير مسموح بها، كمقاطعة فوكوشيما، وإيبباراكاي، وجونما، وتوشيجي وغيرها. 

 

فاليابان تقف اليوم حائرة وعاجزة أمام هذه الكارثة الصحية البيئية، وهي الآن تتخبط في كيفية التعامل معها وإدارة الملوثات الإشعاعية التي دخلت في كل شبرٍ من بيئتها ولوثت الشجر والحجر، وتغلغلت في أعماقها وتجذرت في فروعها، فهي تعاني من مشكلات كثيرة، منها مشكلة آلاف الأطنان من المياه الملوثة المشعة والمخزنة في خزانات ضخمة، ومنها مشكلة الأطنان المتراكمة من الحمأة المشعة التي هي خليط من المياه والتربة وهي في انتظار معالجتها، ومنها أعمدة الوقود النشطة الموجودة في المفاعلات والتي قد تبعث سمومها المشعة في أية لحظة، ومنها نحو نصف مليون لاجئ هجروا منازلهم وبحاجة إلى سكن ورعاية صحية مستمرة، ومنها تلوث المياه الجوفية والتربة الزراعية والأسماك والحيوانات بالمواد المشعة، ومنها ما يخفى علينا حالياً وسيكشفها لنا الزمن.

 

فهذه الحالة المزمنة التي تعاني منها أوكرانيا واليابان استدعت مراقبة مستدامة للوضع البيئي للمنطقتين من خلال قمر صناعي خاص لهذه المهمة، وجمع المعلومات حول كافة المستجدات التي تطرأ عليها، فالكارثتان النوويتان في تشرنوبيل وفوكوشيما ستبقيان خالدتين مخلدتين أبد الدهر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق