الأحد، 13 أكتوبر 2013

ولادة تقرير الأمم المتحدة حول التغير المناخي



كان العالم كله ومنذ أكثر من ست سنوات في انتظار ولادة التقرير الخامس لهيئة الأمم المتحدة شبه الحكومية حول التغير المناخي(Intergovernmental Panel on Climate Change)، حتى ظهر أخيراً المولود في نهاية سبتمبر من العام الجاري وخرج إلى العالم من رحم العاصمة السويدية ستوكهولم، ولكن بعد أيامٍ من المفاوضات والمناقشات الحادة والموسعة ومخاضٍ صعبٍ وطويل، وولادةٍ عسيرةٍ شاقةٍ وقيصرية.

فهذا التقرير الذي يتكون من 2000 صفحة وصَدَرَ الآن، يُمثل المجلد الأول من سلسلة من المجلدات التي ستَصدُر لاحقاً، حيث بدأ نشر مثل هذه التقارير حول ظاهرة التغير المناخي منذ عام 1990. واليوم انتظر الجميع بحماسٍ شديد ومنذ عام 2007 هذا التقرير الأخير، أي بعد صدور التقرير الرابع، سواء من المدافعين والمؤيدين لوقوع ظاهرة التغير المناخي والمؤمنين بارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل الأنشطة البشرية، أم من المعارضين لواقعية هذه الظاهرة والمشككين في دور الإنسان ومسئوليته في رفع سخونة الأرض.

فقد جاء التقرير هذه المـَرة أكثر جزماً وثقة بدور الإنسان ومسئوليته الرئيسة في حدوث التغيرات المناخية على مستوى الكرة الأرضية ورفع درجة حرارة الأرض، حيث أكد التقرير على أن الملوثات التي تنبعث من حرق الوقود، سواء في محطات توليد الطاقة، أو من وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، أو في المصانع، أو من الأنشطة الزراعية، هي المتهمة في زيادة سخونة الأرض، وعلى رأس قائمة المتهمين غازات يُطلق عليها بغازات الدفيئة أو غازات البيت الزجاجي، مثل ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وأكسيد النيتروز، والتي لها القدرة الكامنة على حبس وتراكم الحرارة في طبقات الجو التي تقع فوق رؤوسنا مباشرة، فتمنع انتشار هذه الحرارة المتجمعة فوقنا فلا تتمكن من التشتت والانتقال إلى طبقات الجو الأعلى، وبالتالي تعمل على زيادة درجة حرارة الكرة الأرضية.

وكَشَفَ التقرير الجديد عن بعض التنبؤات الحديثة المتعلقة بارتفاع درجة حرارة الأرض خلال هذا القرن، إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر. أما بالنسبة للتغيرات المستقبلية المتوقعة في درجة الحرارة فقد اختلفت عن التقرير الرابع لعام 2007، حيث إن التقرير الحالي أفاد بأن حرارة الأرض سترتفع بين 0.3 إلى 4.8 درجة مئوية بنهاية القرن الجاري، في حين أن التقرير السابق تنبأ بارتفاع أكبر في الحرارة ويتراوح بين 1.1 إلى 6.4 درجة مئوية.

كذلك هو الحال بالنسبة للتنبؤات الخاصة بارتفاع مستوى سطح البحر، حيث إن التقرير الحالي يتنبأ بارتفاع سطح البحر من 26 إلى 82 سنتيمتراً بحلول عام 2100، في حين أن التقرير السابق توقع بأن التغير في مستوى سطح البحر سيتراوح بين 18 إلى 59 سنتيمتراً، علماً بأن الارتفاع الفعلي بلغ 20 سنتيمتراً خلال القرن الماضي منذ عام 1901.

وفي المقابل واجه مؤلفو التقرير معضلة علمية وظاهرة فريدة وغريبة تحتاج إلى تفسيرٍ دقيقٍ ومنطقي، حيث استغل المشككون لحدوث التغير المناخي هذه المعضلة، وادعوا بأن التغير المناخي قد توقف حالياً، ولا توجد ارتفاعات فعلية في درجة الحرارة. فالتقرير نفسه أفاد بأنه بالرغم من ازدياد انبعاث الغازات المعنية بارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل مطرد منذ عام 1998 حتى عام 2012، أي لمدة 15 عاماً، إلا أن معدلات الحرارة لم ترتفع بالقدر نفسه أو الدرجة نفسها، حيث إن الأرض لم تسخن خلال هذه الفترة، وبعبارة أخرى فإن سرعة الارتفاع في الحرارة تباطأت كثيراً ولا تتوافق أو تواكب سرعة الانبعاث في حجم الملوثات. وقد عزوا هذه الظاهرة الشاذة إلى عدة أسباب منها ثوران البراكين، وبخاصة البركان في الفلبين والآخر في المكسيك وانبعاث أحجاماً ضخمة جداً من الجسيمات الدقيقة والرماد التي حجبت ومنعت أشعة الشمس من الوصول إلى الأرض، وبالتالي تسببت في برودة الأرض، ومنها قدرة الأحجام الهائلة من مياه المحيطات على امتصاص الملوثات ونقل الحرارة إلى طبقات المياه السفلى في قاع المحيط، إضافة إلى الدوران الطبيعي للمناخ وتذبذب قوة الأشعة الشمسية.

والآن بعد صدور هذا التقرير العلمي والموضوعي والذي استنتج بكل وضوح إلى دور ومسئولية الإنسان الرئيسة في التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض، فقد انتهى دور العلماء ورجال البيئة والمناخ، وانتقلت الكرة من ملعب العلماء إلى ملعب رجال السياسة. ومع الأسف فإن ملعب رجال السياسة يمتلأ بلاعبين لا يعرفون شيئاً عن الجوانب العلمية للتقرير والانعكاسات البيئية والصحية للتغير المناخي، كما أن الملعب يمتلأ برجال السياسة الذين يختلفون في توجهاتهم وأفكارهم ويرعون فقط مصالح بلدانهم وأحزابهم التي ينتمون إليها، كما أن رجال السياسة هؤلاء يهتمون بالجانب الاقتصادي والتنموي أكثر من اهتمامهم بالبيئة وصحة وأمن الكرة الأرضية ومن يعيشون عليها. 

فكيف بعد تجارب مريرة شاهدناها في السنوات الماضية نأتمن رجال السياسة على سلامة وأمن كرتنا الأرضية ونضمن استدامة عطائها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق