الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

هواؤنا مسرطن


عجباً أن نجرؤ فنقول بأن الهواء الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بقدرٍ واتزان من الناحيتين الكمية والنوعية والذي لا يمكن أن يستغني عنه أي كائنٍ حي من إنسانٍ أو حيوانٍ أو نبات، صغيراً كان أم كبيراً، يعيش في البر أو في أعماق البحار، أن يكون هذا الهواء هو نفسه الآن من الأسباب الرئيسة التي تصيب الإنسان بأخطر داءٍ عرفه الإنسان منذ منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا، وهو الإصابة بالسرطان.

 

فقد تواترت الدراسات وأجمعت أن هناك الآلاف من الملوثات السامة والمشعة والمسببة للسرطان التي تلج في مكونات بيئتنا من ماءٍ وهواءٍ وتربة في كل ثانية منذ أكثر من قرنين من الزمان ومن مصادر كثيرة لا تعد ولا تحصى، كوسائل النقل، والمصانع، ومحطات توليد الكهرباء، إضافة إلى الكوارث التي تنزل علينا بين الحين والآخر ككارثة تشرنوبيل بسبب انفجار المفاعل الرابع في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، وكارثة احتراق محطة دايشي لتوليد الكهرباء في فوكوشيما في اليابان في 11 مارس 2011، وفي كلتي الحالتين انطلقت إلى الهواء كميات ضخمة جداً من الملوثات المشعة والمسرطنة والتي ستبقى خالدة مخلدة في بيئتنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

فكل هذه الدراسات العلمية الميدانية التي أجريت في كل أنحاء العالم أكدت على تلوث الهواء الجوي للكرة الأرضية برمتها، وتدهور وفساد نوعيتها، بحيث إن الملوثات المسرطنة ضربت أطنابها بقوة في أعماق طبقات الجو من أسفلها إلى أعلاها حتى وصلت إلى طبقة الإستراتسفير وطبقة الأوزون التي هي فوق رؤوسنا على ارتفاع يبلغ قرابة 50 كيلومتراً فوق سطح الأرض، كما أجمعت هذه الأبحاث على العلاقة الوطيدة التي تربط بين نوعية الهواء الجوي وارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان، أي أن استنشاق الهواء الجوي يؤدي مع مرور الوقت إلى الوقوع في شر مرض السرطان.

 

فهذه الحقيقة البيئية الصحية اضطرت المجتمع الدولي الرسمي ممثلاً في إحدى منظمات الأمم المتحدة وهي منظمة الصحة العالمية إلى تبني موقفٍ محدد وواضح حول نوعية الهواء الذي يستنشقه الإنسان، والذي يتعرض له في كل ثانية وعلاقته بمرض السرطان المنتشر بشكلٍ مرعب في كل دول العالم بدون استثناء، والذي يقدر بنحو 1.3 مليون حالة جديدة بالنسبة لسرطان الرئة فقط، يموت منهم سنوياً قرابة 220 ألف.

 

وهذا الموقف تَحَدد بوضوح وبقوة في 17 أكتوبر من العام الجاري، بعد أن قامت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية بحصر وتقييم ألف دراسة بحثية حول علاقة تلوث الهواء في البيئات الداخلية والخارجية والإصابة بالسرطان، حيث أكدت على وجود أدلة علمية دامغة لا شك فيها تؤكد على أن تلوث الهواء الجوي يسبب السرطان للإنسان، ليس في الدول الصناعية الكبرى المعروفة تاريخياً بتلوث هوائها الجوي، وإنما في كافة دول العالم.

 

وبناءً على هذا الاستنتاج من هذه الوكالة العلمية المتخصصة في أمراض السرطان، قامت منظمة الصحة العالمية بالإعلان رسمياً يوم الخميس عن تصنيفٍ جديد لتلوث الهواء الجوي وهو أنه “مسرطن للإنسان”.

 

وهذا التنصيف لتلوث الهواء بأنه يصيب الإنسان بالسرطان يضيف سبباً آخر وعاملاً جديداً بصفة رسمية دولية إلى العوامل الأخرى المعروفة بعلاقتها بأمراض السرطان المختلفة، مثل التدخين بكافة أنواعه سواء للمدخن نفسه أو الجالسين من حوله، وشرب الخمر، والتعرض لدخان البخور والعود، وعوادم السيارات التي تحتوي على مواد مسرطنة معروفة مثل البنزين ومركب البنزوبيرين والجسيمات الدقيقة، وتناول الأغذية المعلبة التي تحتوي على مضافات ونكهات وألوان لا يعرف أحد هويتها ونوعيتها، ونوعية حياة الإنسان من ممارسة الرياضة والحالة النفسية التي يعيش فيها.   

 

فهذا التصنيف الجديد من منظمة أممية، والتي تكون في بعض الأحيان قراراتها “مسيسة”، أو دبلوماسية وتوافقية تأخذ في الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء فيها، يجب أن تؤكد لنا جميعاً بأن علاقة تلوث الهواء بالإصابة بمرض السرطان وطيدة وواضحة كوضوح أشعة الشمس أثناء فترة الظهيرة، بحيث لا يمكن إخفاؤها أو التستر عليها وتغطيتها، وأخذ قرارات “وسطية” ترضى كافة الأطراف في المنظمة.  

 

كما أن هذا التنصيف الجديد يجب أن يكون حافزاً لنا لبذل المزيد من الجهد لمنع دخول الملوثات إلى عناصر بيئتنا، وتبني الإجراءات الحازمة والرادعة لمنع انبعاث الملوثات من مصادرها المختلفة إلى الهواء الجوي بصفة خاصة.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق