الأحد، 1 ديسمبر 2013

أمريكا تمنع عرض فيلمٍ بيئي!



في عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجن، وبالتحديد في عام 1982، وقع أمر غريب جداً في دولةٍ ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية تؤمن بحرية التعبير والرأي وتفتح المجال واسعاً أمام كافة وسائل الإعلام باختلاف أنواعها وأشكالها، حيث مُنع فيلم بيئي من الدخول إلى أمريكا، وتم حظر مشاهدته على كل مواطنٍ أمريكي.

هذا الفيلم المحظور تم تصويره ونشره من قبل جهاز البيئة الكندي، وكان عنوانه:”قصة المطر الحمضي“(Downwind: the Acid Rain Story)،وقامت السلطات الكندية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم بتوزيع هذا الفيلم على دور السينما المتخصصة لعرضه في كندا، إضافة إلى توزيعه على الدول الأخرى، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية لعلاقتها المباشرة بموضوع الفيلم المتعلق بالمطر الحمضي. وعندما استملت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الفيلم واطلعتْ عليه الأقسام المختصة، قامت بتصنيفه كفيلمٍ دعائي أجنبي يعمل ضد المصالح الأمريكية، ويشوه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا الأساس تم منع دخوله وعرضه.

هذا الفيلم الكندي العلمي تناول قضية بيئية هامة جداً وساخنة في ذلك الوقت، وهي مشكلة المطر الحمضي والأضرار الكبيرة والواسعة النطاق التي ألحقه هذا المطر السام على غابات كندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث حول الغابات الخضراء المثمرة إلى صحاري قاحلة، وحول مياه البحيرات العذبة الفرات السائغ شرابها إلى سمٍ أجاج، وحول هذه البحيرات المنتجة المليئة بالروح والحياة إلى مقابر جماعية للكائنات الفطرية المائية. وكانت الأسباب وراء سقوط هذه الأمطار المهلكة للحرث والنسل والتي دمرت الأخضر واليابس هي الملوثات التي تنبعث من حرق الوقود في محطات توليد الكهرباء والمصانع، حيث تنطلق هذه الملوثات إلى أعالي السماء وتتفاعل مع الماء في السحب وتكون مركبات حمضية مثل حمض الكبريتيك أو حمض بطاريات السيارات، والمعروف عامياً بـ ”التِيزَابْ“، فتنزل على الأرض مطراً مشبعاً بهذه الأحماض يقتل غابات وبحيرات أمريكا وكندا.

وهنا بدأت حرب باردة بين البلدين الجارين، كندا وأمريكا، فكل دولة تُلقي بأصابع الاتهام على المصانع ومحطات الطاقة الموجودة على حدود الدولة الأخرى، وكل دولة تحاول أن تنأى بنفسها عن مصدر هذا المطر الحمضي، ووصلت هذه الحرب إلى درجة تمنع فيها عرض الأفلام العلمية التوعوية حول هذه القضية المعقدة الشائكة، حتى وصلت الدولتان في نهاية المطاف إلى التوقيع على اتفاقية ثنائية مشتركة تُسهم فيها كل دولة في علاج المشكلة البيئية الحدودية، فتقوم بخفض حجم الملوثات الحمضية المنبعثة إلى الهواء الجوي.

واليوم ننتقل من قضية المطر الحمضي إلى قضية أخرى مشابهة وهي المحيط الحمضي، ولكن هذه المرة لن تكون الحرب الباردة والمناوشات الكلامية بين دولتين، وإنما هي بين دول العالم برمتها، فجميع الدول دون استثناء مسئولة، ولكن بدرجة متفاوتة في وجود وانكشاف ظاهرة المحيطات والبحار الحمضية.

وقد حذر آخر تقريرٍ علمي من علماء متخصصين في حالة البحار والمحيطات، أن مستوى حمضية هذه المسطحات المائية انخفض من 8.1 إلى 8، مما يعني زيادة 26% في الحموضة، ويُقدر العلماء أن هذه الدرجة المخيفة من انخفاض حمضية المحيطات ستستمر بحيث إنها قد تنزل إلى 7.9 مع نهاية القرن الحالي، أي بزيادة تبلغ قرابة 170%.

وهذه الزيادة المطردة في حمضية مياه المحيطات بسبب الملوثات التي نطلقها إلى الهواء الجوي لها مردودات كارثية تهدد استدامة إنتاجية وعطاء المحيطات، وتنعكس بشدة على الإنسان بيئياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً. فالحموضة المرتفعة للمياه تؤثر على التنوع الحيوي للبيئة البحرية، وبخاصة بالنسبة للكائنات الدقيقة الضعيفة من نباتاتٍ عالقة، وحيواناتٍ متناهية في الصغر تسبح في الماء، وتَضَرَرَ هذه الكائنات التي تعتبر رئة المحيطات وأساس السلسلة الغذائية، يعني التهديد المباشر على الثروة السمكية والأمن الغذائي للإنسان.

وإذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، واستمر الإنسان في تلويث الهواء والمحيطات فإن الوصف والتعريف المستقبلي الذي سيطلقه العلماء على المحيطات سيكون بأنها بيئات مائية حمضية، وحارة، لا هواء فيها، ومقفرة لا حياة لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق