الخميس، 19 ديسمبر 2013

المخلفات اللاستيكية التي لا نراها



قبل أيام كنتُ أتجول في محمية العرين، وشاهدت عن بعد بعجةً في إحدى البحيرات وهي تغطس في الماء وتحاول أكل والتهام شيءٍ ما في هذه البحيرة، وظننتُ في البداية أنها تحاول أكل وجبتها المفضلة وهي الأسماك، ولكن عندما اقتربت أكثر من البحيرة، وإذا بي أرى أن هذه البجعة تحاول التهام قطعةٍ من البلاستيك قد رماها أحد الزوار في البحيرة، ظناً منها أنها طعام يؤكل ووجبة شهية.

هذه المشاهدة البسيطة في بحيرةٍ من بحيرات محمية العرين، تُمثل حالياً قضية عالمية ملحة ومزمنة تُهدد الحياة الفطرية البرية، والبحرية، والطيور في أعالي السماء بخطرٍ شديد، ودمارٍ مُنتظر، وانقراضٍ كبير لهذه الأحياء.

فالمخلفات البلاستيكية بشكلٍ عام، وفي البيئة البحرية والمسطحات المائية بشكلٍ خاص تعتبر من أخطر القضايا البيئية والصحية التي يواجهها العلماء ومتخذو القرار في كل دول العالم، وتُنظم من أجل معالجتها المؤتمرات الدولية الرسمية، ممثلة في منظمات الأمم المتحدة المعنية بالبيئة وصحة البحار والمحيطات، إضافة إلى اللقاءات والاجتماعات العلمية غير الرسمية.

وتشتد خطورة هذه المخلفات البلاستيكية كلما صغر حجمها، بحيث إنها في بعض الأحيان لا تُرى بالعين المجردة، فتكون على هيئة حبيباتٍ أو كبسولاتٍ دقيقة متناهية في الصغر تتراكم في البحار والمحيطات مع الوقت، ثم إلى الكائنات البحرية العالقة في عمود الماء، سواء أكانت نباتية أم حيوانية، ومنها تنتقل إلى الأسماك الصغيرة والكبيرة، ثم إلى الطيور البحرية حتى تصل في نهاية السلسلة الغذائية إلى الإنسان فيصاب بالأمراض والعلل المزمنة دون أن يعلم سببها وكيف نزلت عليه.

وقد نُشرت دراسة في ديسمبرمن العام الجاري في مجلة مستجدات علم الأحياء(Current Biology) تؤكد على حقيقة وجود هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة(Microplastic particles) في البيئات البحرية، وأنها بالفعل قد بدأت طريقها في الدخول في السلسلة الغذائية البحرية. فقد أُجريت هذه الدراسة على منطقة بحرية في بريطانيا وأكدت على وجود هذه المخلفات في الكائنات البحرية العالقة النباتية منها والحيوانية، وانتقالها إلى الديدان(lugworms) التي تعيش في أعماق التربة القاعية وفي البيئات الطينية، حيث تعتبر هذه الديدان غذاءً شهياً للأسماك والطيور.
ولذلك من الضروري الاهتمام بهذا النوع من المخلفات واتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع دخولها في بيئتنا، سواء أكانت مخلفات بلاستيكية دقيقة وصغيرة يصعب مشاهدتها بالعين المجردة، أو مخلفات بلاستيكية أكبر حجماً تمتلئ بها شوارعنا وسواحلنا، وتَعلق فوق أشجارنا، وتطفو فوق سطح بحارنا أو تجثم في أعماقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق