الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

الدواء المميت


اليوم يأتي آخرُ فصلٍ في قصة هذا الدواء القاتل التي استمرت الآن أكثر من ستين عاماً، وكَتَبتُ عنه قبل أكثر من عام. فقد وافقتْ المحكمة العليا في مدينة ميلبورن الأسترالية في الثاني من ديسمبر من العام الجاري على تعويض المتضررين الأستراليين والنيوزلنديين من استعمال هذا الدواء والذي وصل عددهم إلى أكثر من مائة، بمبلغٍ مالي قدره 89 مليون دولار.

 

فما قصة هذا الدواء الذي أفسد صحة عشرات الآلاف من الناس بدلاً من إصلاحها، وقتل الكثيرين في جميع أرجاء العالم بدلاً من إحيائهم، وانتقلت أضراره المباشرة من جيلٍ إلى آخر؟

 

يبدأ الفصل الأول من قصة هذا الدواء من مجموعة جرونينثال الألمانية(Grünenthal) في عام 1953 عندما أَنتجتْ عقاراً سحرياً أَطلقتْ عليه الدواء الأعجوبة(wonder drug) وتجارياً على شكل كبسولة بيضاء اللون تحت اسم كونترجن (Contergan)، واسمه العلمي الثاليدوميد(thalidomide). وبالفعل كان هذا الدواء يتميز بخصائص فريدة من نوعها بين الأدوية، فهو مهدئ ومسكن قوي، ويساعد على النوم، ويستخدم لعلاج الصداع، والكحة، والأرق، وبخاصة لمعالجة الأعراض المرضية التي تصيب المرأة الحامل عند الصباح، ولكن في الوقت نفسه لم يَعرفْ منتجو هذا الدواء السحري أنهم زرعوا في المجتمع بذرة خبيثة كانت النواة الأولى لكارثة صحية عالمية استمرت عقوداً طويلة من الزمن، وأنتجت شجرة خبيثة ثمرها سمٌ عضال يستعصي على العلاج.

 

فقد كانت لهذا الدواء آثار جانبية كارثية على المرأة وعلى الأم الحامل، حيث إن هذه الآثار انتقلت مباشرة إلى الأم وإلى الجنين بعد الولادة، وسببت الإعاقات والتشوهات الخَلْقية لعشرات الآلاف من الأطفال الذين وُلِدَ بعضهم بلا أطرافٍ كلياً، أو أطرافٍ ناقصة، كنصف رِجْل، أو نصف يد، أو ولدوا بأيدٍ ناقصة تشبه بعض الحيوانات البحرية، أو ولدوا بتشوهات في العين، والأذن، والقلب، والكلى، والجهاز الهضمي.

 

وبعد عقود مؤلمة وطويلة من ظهور هذه الإعاقات البشرية التي خلقت مأسي وآلام للمتضررين أنفسهم وعذاباً نفسياً وعضوياً لأسرهم، وعانوا منها أكثر من خمسين عاماً، اعترفت الشركة المـُصنعة للدواء بهذا الإثم الكبير والخطيئة العظمى، فاعتذرت رسمياً في أغسطس 2012.

ولذلك انطلاقاً من هذه الطامة الصحية الكبرى، لا بد من التنبه إلى أن الأدوية عبارة عن مركبات صناعية ملوثة لجسم الإنسان، تُعالج مرضاً محدداً وقد تصيب الإنسان بمشكلات صحية أخرى، كما لا بد من العلم أن الشركات الكبرى، سواء أكانت شركات العقاقير أو غيرها، لا يهمها إلا الربح السريع والثراء الفاحش، فهي تدافع عن منتجاتها بكل وسيلة شرعية أو غير شرعية حتى الرمق الأخير، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها السجائر، والشيشة، وعملية التانينج المسرطنة.

 

والآن هل انتهت قصة هذا الدواء السحري وأُسدل الستار عليها، أما أنها متجددة وتنكشف فصولاً أخرى بين الحين والآخر لأفراد قد تضرروا من استعمال هذا الدواء؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق