الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

طائر يطير 17 ألف كم دون توقف!


في كل يوم يكتشف الإنسان عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه وتدبيره، وفي كل يوم يكتشف سراً من أسرار هذا الكون الشاسع الواسع العجيب ويسبر غور خفايا حياة الكائنات الفطرية الحية التي تعيش على وجه الأرض، وفي باطنه، وفي أعماق المحيطات المظلمة، وقد دعا الله سبحانه وتعالى الإنسان للقيام بهذه الاكتشافات في الكون ومخلوقاته والاستفادة منها لاستعمار الأرض وبنائها، عندما قال:”يا معشر الجن والإنس، إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا“

 

واليوم تنقل لنا مجلة علمية اسمها علم الأحياء التجريبي(Journal of Experimental Biology) دراسة تحت عنوان: ”التحليق الديناميكي للباتروس“ في العدد المنشور في نوفمبر من العام الجاري، لتروي لنا قصة طائرٍ بحري معروف لدى الجميع، وهو طائر الباتروس أو القَطْرس الذي يتميز بجناحين كبيرين يبلغ طولهما أكثر من ثلاثة أمتار ونصف المتر، فتحاول الدراسة تقديم تفسيرٍ علميٍ منطقي لظاهرة غريبة وفريدة من نوعها يتميز بها هذا الطائر، وحيَّرت العلماء منذ سنوات طويلة وأوقفتهم أمامها عاجزين على فك قيودها وشفراتها والتعرف على أسرارها.

 

فهذا الطائر الأعجوبة، يطير في أعالي السماء، ويحلق في ارتفاعات شاهقة، ويقطع مسافة أكثر من 17 ألف كيلومتر في رحلة واحدة، فيدور حول الأرض في 46 يوماً دون أن يَخْفِق أو يضرب ويحرك جناحيه في هذه المسافات طويلة، حيث تصل سرعته إلى نحو 108 كيلومترات في الساعة.

 

فهذه الظاهرة طرحت أسئلة كثيرة عند العلماء، فكيف يمكث الباتروس معظم وقته في السماء؟ وكيف يقطع هذه المسافات الماراثونية دون فقدانٍ لكمياتٍ كبيرة من الطاقة وبأعلى درجة من الفاعلية في التحكم في طاقة الجسم، وبهذه الكفاءة العالية التي لا مثيل لها في عالم الحياة الفطرية؟ وكيف يستطيع جسمه الثقيل أن يتحمل الطيران لهذه المسافات دون تعبٍ أو شعورٍ بالإرهاق والإعياء؟  

 

فالعلماء منذ زمنٍ بعيد يحاولون حل هذا اللغز المعقد، وطرحوا العديد من النظريات لتفسير هذه الظاهرة، كان آخرها ما قام به مهندسون من جامعة ميونيخ للتقنية في ألمانيا عندما ثبتوا جهاز تحديد الموقع، أو الـجي بي إس على 16 طيراً، وتمكنوا من خلاله وبدقة متناهية مراقبة حركة الباتروس كل ثانية على مدار الرحلة من ناحية السرعة والارتفاع.

 

وأكد الباحثون على نظرية التحليق الديناميكي(dynamic soaring)، أو المناورات الديناميكية التي تفيد بأن عملية تحليق الباتروس تتكون من أربع خطوات أو مراحل، فالمرحلة الأولى هي الصعود والعُروج ضد اتجاه الريح، ثم الدوران والانحناء وتغيير الاتجاه، ثم النزول مع اتجاه الريح حيث يكتسب الباتروس في هذه المرحلة على الطاقة الحركية من الرياح التي تكون خلفه، وأخيراً تأتي المرحلة الرابعة وهي الانعطاف فوق سطح البحر للاستعداد للعُروج والصعود مرة ثانية وبدء دورة التحليق من جديد دون بذل أية طاقةٍ تُذْكَر.

 

وقد ألهمت هذه الظاهرة الطبيعية وهذه التقنية ذات الكفاءة العالية في الطيران والتحليق، علماء وكالة الفضاء الأمريكية(ناسا)، فقاموا بتصميم وصناعة طائرة آلية(robotic aircraft) تطير وتحلق في أعالي السماء كما يفعل طائر الباتروس دون الحاجة إلى محرك ومصدر للطاقة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق