السبت، 8 فبراير 2014

شهادة طبيب قلبٍ بحريني



قابلتُ قبل أيام أحد الأطباء البحرينيين المختصين في أمراض القلب، وممن أَشهدُ لهم بالعلم والخبرة والكفاءة، وقدَّم لي معلومة صحية خطيرة جداً تحتاج إلى وقفة متأنية ومعمقة من العلماء والباحثين والأطباء في البحرين.

هذه المعلومة تتكون من نقطتين، الأولى هي أن أعداد المصابين البحرينيين بأمراض القلب بمختلف أنواعها في ارتفاع مطرد ومشهود، والثانية هي أن بعض أمراض القلب التي هي معروفة تقليدياً بأنها تصيب كبار السن والمتقدمين في العمر ومن الذين بلغوا من العمر عِتياً واشتعل رأسهم شيباً، تحولت الآن إلى ظاهرة حديثة على المجتمع البحريني فأصبح الذين يتعرضون لمثل هذه الأمراض هم من الشباب وصغار السن.

ولست هنا في هذه المقالة بصدد معالجة هذه القضية الصحية الملحة، فأتركها للمهتمين بمثل هذه القضايا، فهي لا شك بأنها معقدة ومتشابكة وذات أسباب كثيرة منها اجتماعية متعلقة بعادات المواطن اليومية وسلوكياته وأسلوب حياته وممارساته من القيام بالرياضة والأعمال العضلية والبدنية، ومنها ما هي متعلقة بعاداته الغذائية وكمية ونوعية الوجبات التي يتناولها كل يوم وكمية ونوعية المشروبات التي يشربها، ومنها ما هي مرتبطة بالصحة النفسية والضغوط التي يتعرض لها يومياً في المنزل والعمل والمجتمع بشكلٍ عام من قلق واكتئاب وغيرهما.

ولكنني أستطيع أن أُفْتِي في بعدٍ واحد له علاقة مباشرة بالإصابة بأمراض القلب وهو الجانب البيئي من حيث التعرض لتلوث الهواء الجوي واستنشاق آلاف الملوثات السامة والمسرطنة التي تنبعث من السيارات التي اكتظت وامتلأت شوارعنا بها، أو من محطات توليد الكهرباء، أو من مئات المصانع التي تنفث سمومها في هوائنا، أو من الطائرات التي تحلق فوق رؤوسنا، وكل هذا المصادر للتلوث والملوثات التي تنبعث منها نعاني منها في البحرين وموجودة في بيئتنا وبين أظهرنا وأمام أعيننا، مما يشير إلى احتمال وقوع تأثيراتها السلبية على صحتنا، وبالتحديد ما لها علاقة بأمراض القلب.

وسأُقدم هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض الدراسات التي تبين علاقة التعرض بالملوثات على المدى البعيد بالإصابة بالسكتة القلبية وأمراض القلب الأخرى. فهناك دراسة واسعة وشاملة شارك فيها 41 باحثاً يمثلون 28 جامعة ومركزاً للأبحاث الطبية والبيئية، واستغرقت 12 عاماً، وشملت مائة ألف مواطن أوروبي، ونُشرت في العدد الصادر في 21 يناير2014 في مجلة جمعية الأطباء البريطانيين تحت عنوان "التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء وحوادث أمراض القلب الحادة"، حيث أكدت على أن العيش في المدن الحضرية يرفع من مخاطر التعرض للسكتة القلبية والإصابة بأمراض القلب بنسبة 13%، حتى ولو كانت نسب الملوثات التي يتعرض لها منخفضة وأقل من المعايير الأوروبية لجودة الهواء الجوي، واتهمت الدراسة عدة ملوثات تسبب هذه الحالات المرضية، وعلى رأس القائمة الدخان أو الجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين.

ومن جانب آخر هناك دراسات لها علاقة بنوعٍ آخر من التلوث وهو التلوث الضوضائي الناجم عن حركة الطائرات والسيارات، حيث أفادت دراسة منشورة في المجلة الطبية البريطانية في أكتوبر 2013 وشملت نحو 3.6 مليون من البريطانيين الساكنين بالقرب من مطار هيثرو أن السكن بالقرب من هيثرو يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب والأوعية القلبية والدخول للمستشفيات بسبب الإصابة بالسكتة القلبية بنسبة 10 إلى 20%، إضافة إلى ازدياد مخاطر الموت المبكر، وفي المقابل أشارت دراسة مماثلة شملت ستة ملايين أمريكي يعيشون بالقرب من 89 مطاراً على وجود علاقة قوية بين السكن بالقرب من المطارات وارتفاع أعداد الداخلين للمستشفيات بسبب أمراض القلب، وبخاصة بالنسبة عن كبار السن.

ولذلك أجد أن أحد مسببات الإصابة بأمراض القلب نعيش معه بشكلٍ يومي، ونتعرض له في كل دقيقةٍ من حياتنا، فلا شك إذن بأنه يؤثر علينا صحياً، وبالتالي هناك حاجة لدراسات معمقة في قضية إصابتنا وفي سنٍ مبكرة بأمراض القلب وانتشارها بين الشباب، بحيث تأخذ في الاعتبار كل الأبعاد ذات العلاقة، ولا سيما الجانب الاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي لكي نمنع شبابنا من السقوط في شباك هذه الأمراض القاتلة، ونقيهم من الموت المبكر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق