الجمعة، 28 فبراير 2014

التغير المناخي سلاح للدمار الشامل



بعد أن جمَّدت الحكومة الأمريكية الولوج بجدية وحزم في قضية التغير المناخي على المستويين القومي والدولي منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، وعطَّلت كافة أعمال ومبادرات وأنشطة دول العالم المناخية، فجأةً يستيقظ وزير الخارجية الأمريكي الآن جون كيري من غفوته ليُلقي تصريحات نارية وقوية حول التداعيات المميتة والمهلكة للتغير المناخي على مستوى الكرة الأرضية جمعاء، ويدعو دول العالم إلى خفض انبعاثاتها من الغازات المـُتهمة برفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغيرات المناخي.

فقد ألقى كيري خطاباً في 16 فبراير في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمام حشدٍ من الطلاب حذر فيه إلى أن التغير المناخي بسبب أنشطة الإنسان من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة يهدد أسلوب ونمط حياته، ويُعد خطراً شديداً لا بد من مواجهته بشكلٍ جماعي مشترك وبصورة عاجلة لأنه يعتبر، حسب وصف كيري "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. 

ولكي يؤكد كيري على مصداقية تصريحاته، ويبين جدية أمريكا في العمل على مواجهة التغير المناخي، قال بأننا قبل يوم، أي في 15 فبراير، قُمنا بعقد اتفاقية تعاون وشراكة بيننا وبين الصين، وهما أكبر مصدرين لانبعاث غازات الدفيئة على مستوى دول العالم وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون وبنسبة تصل إلى 40%، حيث أفاد بأن اتفاقية التعاون المشترك شملت عدة جوانب هي العمل على خفض الإنبعاثات التي تنطلق من السيارات، ورفع فاعلية وكفاءة تشغيل حرق الوقود في المصانع، وترشيد وخفض استهلاك الكهرباء في المباني والعمارات الشاهقة الكبيرة، إضافة إلى التعاون في مجال تخزين غازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي وجمع وتوفير المعلومات الموثقة حول انبعاث هذه الغازات على مستوى الدولتين.

وبالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول نيتها في التصدي لظاهرة التغير المناخي، إلا أنني أشك كثيراً في واقعية هذه النوايا وصمودها عند التنفيذ الفعلي.

فأمريكا لن تفعل شيئاً ملموساً من أجل عيون البيئة، أو من أجل أهدافٍ بيئية بحتة خالصة لوجهها، فالهاجس الأول لأي رئيسٍ أمريكي، ولأي حزبٍ يحكم البيت الأبيض الآن ومن قبل، هو التنمية الاقتصادية وخلق وتوفير الوظائف للأمريكيين من أجل المحافظة على الكرسي والبقاء في البيت الأبيض لأطول فترة ممكنة، فمن المعروف عملياً وواقعياً أن التنمية البيئية لوحدها لا تُمَكِّنْ الرئيس الحاكم، أو حزبه من الاستمرار في الحكم، ولذلك فالأولوية في العمل والتنفيذ دائماً تكون في تعزيز الاقتصاد وتنميته والعمل على ازدهاره وتطويره وإتاحة فرص العمل للأمريكيين وخفض نسب البطالة.

كما أن مما يثير شكوكي وعدم قناعتي أيضاً بخطبة وزير الخارجية الأمريكي حول التغير المناخي هو عزم أمريكا على عمل وبناء أطول خط أنابيب يُطلق عليه بخط أنابيب كيستون( Keystone XL pipeline) لنقل الزيت، أو البترول الثقيل من الزيت الرملي من مدينة ألبرتا بكندا في أقصى شمال القارة، مروراً بعدة ولايات أمريكية حتى خليج المكسيك في ولاية تكساس في أقصى الجنوب من أجل تكريرها وإنتاج مشتاق النفط. ومن المعروف بيئياً أن بناء هذا الخط العملاق وتكرير النفط تنبعث عنهما أحجام كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي. وعلاوة على ذلك فقد اتجهت أمريكا منذ سنواتٍ بقوةٍ وعلى نطاق واسع في استخراج الغاز الطبيعي المحصور بين الصخور في أعماق الأرض والتي يُطلق عليه بغاز الشيل(shale-gas) باستخدام تقنية الفراكينج (Frackingوهي تقنية جديدة نسبياً تقوم بالحفر في أعماق الأرض وشق الطبقات الأرضية التي تحتها الغاز الطبيعي باستخدام أحجام كبيرة من سائل يحتوي على الماء وخليط غير معروف من المواد الكيميائية والرمل. وهذه العملية أيضاً لها مردودات بيئية خطيرة منها انبعاث غازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي، كغاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، ووقوع الزلازل نتيجة للحفر العميق، إضافة إلى استهلاك كميات ضخمة من الماء والرمل وتلويثها للمياه الجوفية والسطحية بالمواد الكيميائية التي لا يعرف أحد هويتها وتركيزها.

فكل هذه النقاط التي ذكرتها تُبرر لي التشكيك في النوايا المـُـعْلنة للسياسة الأمريكية الجديدة حول التغير المناخي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق