السبت، 1 فبراير 2014

نعم، تعمدنا الكذب على الناس



ستعترف شركات التبغ العملاقة رغماً عن أنفها قريباً بأنها تحايلت على العالَمِـين، وكذبت عليهم طوال أكثر من ستين عاماً، وغطت بأساليبها الماكرة وحيلها الشيطانية على جرائمها الصحية والبيئية التي أهلكت أكثر من مليار إنسان، وأصابت ملايين آخرين بأمراض عضال مزمنة ومستعصية على العلاج.

ولكن هذا الاعتراف لم يأت من فراغ وبدون معارك شرسة دارت رحاها في المحاكم الأمريكية بين شركات التبغ والناس، فهذا الاعتراف جاء نتيجةً لجهودٍ جبارة مضنية ومحاكمات ماراثونية استغرقت أكثر من 15 عاماً، واستخدمت فيها شركات السجائر والتبغ طوال سنوات المحاكمة كل ما يخطر وما لا يخطر على بال البشر، من صرف الأموال لشراء الضمائر والذمم، واستغلال جماعات الضغط، وتقديم الرشاوى تحت مسميات مختلفة للجماعات والأفراد ذي النفوذ السياسي والتشريعي.

وبالرغم من استماتت شركات السجائر، إلا أن الحق كان بَيِّنَاً كضوء الشمس في وضح النهار، والأدلة الطبية متواترة وواضحة لا يمكن إخفاؤها ولا تغطيتها ولا التستر عليها مهما أنفقت هذه الشركات من مال، ومهما بذلت من جهود، ومهما طال الزمن.

فقد بدأت المحاكمات بين الحكومة الأمريكية وشركات السجائر والتبغ في عام 1999، عندما رفعت وزارة العدل قضية وفقاً لقانون "الابتزاز وفساد المنظمات" في مقاطعة العاصمة الأمريكية كولومبيا في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ولم تبدأ القضية تؤتي ثمارها إلا في أغسطس 2006 بعد أن أصدرت القاضية حكمها بأن شركات التبغ مذنبة بتهمة الابتزاز وخداع المجتمع الأمريكي والكذب الصريح، وأمرتها بإصدار "بيان تصحيحي" للشعب الأمريكي حول هذه الاستنتاجات، ولكن بالرغم من ذلك إلا أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ حتى العاشر من يناير، أي بعد 8 سنوات من قرار المحكمة وبعد أن توصلت وزارة العدل مع شركات التبغ إلى اتفاقية وتسوية توافق فيها الشركات على نشر ووضع البيان في ثلاث محطات تلفزيونية قومية رئيسة، و 35 صحيفة يومية، إضافة إلى شبكات الإنترنت ولمدة سنة كاملة وفي أوقات الذروة.

وسيشتمل هذا البيان على عدة حقائق. فالحقيقة الأولي هي أن تعترف شركات التبغ بأنها خدعت المجتمع الأمريكي وكذبت عليه عمداً حول التأثيرات الصحية القاتلة للتدخين، والحقيقة الثانية أن تعترف بأنها تعمدت إلى إخفاء المعلومات عن إدمان التدخين بسبب وجود النيكوتين في التبغ والسجائر، والحقيقة الثالثة فهي الكذب البواح عند تسويق منتجات جديدة مثل سجائر "خفيفة" أو سجائر "منخفضة القطران" والادعاء بأنها أقل ضرراً من السجائر العادية. أما الحقيقة الرابعة التي يجب أن تخرج في البيان فهي القيام عمداً بتصميم وإنتاج سجائر تسبب الإدمان، والحقيقة الخامسة والأخيرة في إخفاء المعلومات والوثائق الخاصة بمخاطر التدخين القسري أو السلبي.

والآن بعد هذا الاعتراف الثقيل الذي سيصدر أمام الملأ في أمريكا وفي العالم أجمع، هل سيكون هناك أدنى شك عند أي إنسان بأن التدخين بجميع أشكاله وأنواعه وأحجامه ومسمياته، من السجائر، والشيشة، والمدواخ، والجدو، والسجائر إلكترونية، مهلك وقاتل للإنسان، سواء أكان هذا الإنسان مدخناً أم غير مدخن، وأن يقوم الإنسان بهلاك نفسه وغيره ممن حوله طواعية هو انتحار جماعي لا يجوز شرعاً، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

وانطلاقاً مما سبق فإنني أتمنى من المجتمع البحريني ومن الجهات المختصة والمعنية بحماية صحة المواطنين ووقايتها من الأمراض، سواء أكانت حكومية أم غير حكومية أن تتصدى بحزم أكثر وأشد صرامة إلى آفة التدخين، وأن تعمل تدريجياً من خلال خطوات وآليات محددة على منعه كلياً من البحرين، وبالتالي سنصبح أول دولة في العالم تمنع التدخين، وتستأصل هذه الظاهرة السيئة من جذورها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق