الجمعة، 12 سبتمبر 2014

هل تَنْبَعثْ الملوثات من الكائنات الفضائية؟



هناك هوس شديد ومستمر عند أفراد المجتمع الأمريكي خاصة من كُتاب وعلماء للبحث عن كائنات حية تشبه الإنسان وتعيش في مكانٍ ما في الفضاء الشاسع خارج كوكب الأرض، وربما هذا الاهتمام العميق ينبع من حب الإبداع عند الأمريكيين والبحث عن غير المألوف، والرغبة نحو استكشاف الجديد والغريب، والميل إلى المغامرة المحسوبة بشكلٍ دقيق وعلمي وتقني عالي المستوى من ناحية التخطيط والتنفيذ، وهذا الهوس انعكس بشكلٍ مشهود وملموس على هوليود، مصنع الأفلام الأمريكية والدولية، حيث أَنْتجت أفلاماً كثيرة منذ أكثر من قرن، وقدمت تصوراتٍ وتخيلات مختلفة ومتعددة عن هذه الكائنات الفضائية الدخيلة وغزوها للكرة الأرضية وقضائها على الجنس البشري.

وقد برزت خلال العقود الماضية عدة وسائل وطرق للبحث عن هذه الكائنات الفضائية والتعرف عليها، وتقصي آثارها، ومراقبة ومتابعة مؤشرات وجودها، وتركزت هذه الطرق أولاً على البحث عن كائنات حية بسيطة وغير معقدة في تركيبها من أسماك وبكتيريا وغيرهما وتعيش في ظروفٍ غير عادية وقاسية وصعبة ولا يمكن للإنسان أن يعيش فيها، مثل أعماق البحار والمحيطات على عمقِ كيلومتراتٍ طويلة تحت سطح البحر، حيث الظلام الدامس، والنقص المدقع في الأكسجين، والبرودة الشديدة، أو تحت سطح البحيرات المتجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي، حيث البرودة القارسة غير الطبيعية وغير المناسبة لحياة البشر، أو في المياه الجوفية شديدة الحرارة والغليان التي لا يمكن أن تُعين أي كائن على الحياة والنمو والتكاثر، فوجود أي كائنٍ حي، مهما كان نوعه أو حجمه في مثل هذه البيئات والظروف القاسية قد يشير إلى احتمال وجود كائنات حية أيضاً في الكواكب الكونية التي لها ظروف مشابهة وبيئات قريبة منها.

وفي هذا الإطار، نَشَرتْ مجلة الطبيعة(Nature) في العدد الصادر في 20 أغسطس من العام الجاري بحثاً علمياً ميدانياً يؤكد اكتشاف 4000 نوعٍ من البكتيريا التي تعيش في بحيرات القطب الشمالي المتجمدة، وبالتحديد في بحيرة ويلانز(Lake Whillans)، وفي أعماق تحت سطح ماء البحيرة المتجمد تبلغ نحو 2600 قدم، أي قرابة 790 متراً، فتحيا في تلك البقعة النائية والشديدة البرودة من الكرة الأرضية والأكثر بعداً عن المدنية والتحضر وأنشطة البشر، فلم يتوقع العلماء أن تكون هناك حياة مزدهرة في مثل هذه البيئة القاسية، ولذلك فإن هذا الاكتشاف قد يؤشر على احتمال وجود حياةٍ في كواكب أخرى تعيش في الظروف والبيئة نفسها.

كما إن هناك طُرقاً أخرى تم استخدامها لدراسة إمكانية وجود كائنات فضائية مثل البحث عن غاز الأكسجين أو الميثان أو غيرهما في الكواكب خارج الكرة الأرضية، وهذه الغازات تعد مؤشرات حيوية تفيد بوجود نوعٍ ما من الكائنات الحية.

واليوم ابتكر علماء أحياء الفضاء العاملون في مركز سميثونين لفيزياء الفضاء في جامعة هارفورد آلية ووسيلة جديدة للبحث عن كائنات حية في الكون الفسيح خارج حدود كوكبنا، ونشروا هذه الآلية والفكرة الجديدة من خلال بحثٍ علمي متكامل وشامل في 24 يوليو من العام الجاري في مجلة الفيزياء الفلكية (Astrophysical Journal) تحت عنوان: "البحث عن تلوث الهواء من الكائنات الفضائية".

وهذه الفكرة الإبداعية تختلف عن الآليات والوسائل التقليدية التي كانت تُركز في بحثها على العمليات الحيوية الطبيعية للكائن الحي، وبخاصة الغازات العادية المعروفة التي تنبعث عن التفاعلات الحيوية داخل جسم الكائن الحي، فهذا الابتكار الفكري يتلخص بشكلٍ أساس في فرضية وجود كائنات حية ذكية كالإنسان في مكانٍ ما خارج كوكب الأرض، ووجود مثل هذه الكائنات الذكية يعني بالضرورة وجود مرافق وأنشطة ومصانع لهذه المجتمعات الفضائية، ووجود هذه المصانع الفضائية لا بد وأن تنبعث عنها ملوثات غازية تشبه الملوثات الغازية التي تنطلق من الأنشطة البشرية كالمصانع ووسائل النقل والمواصلات.

ومن أبرز الملوثات المعروفة للإنسان منذ الثمانينيات من القرن المنصرم هي مجموعة من مركبات الكلوروفلوروكربون(CFCs) التي نستخدمها منذ عقودٍ من الزمن في عملية التبريد في الثلاجات والمكيفات ومواد إطفاء الحريق، وبالتحديد رباعي فلورو الميثان وثلاثي كلوروفلورو الميثان، فالبعض من هذه الملوثات قد يبقى آلاف السنين في بيئتنا وفي الهواء الجوي بالتحديد دون أن يتغير أو يتحلل، ولذلك فاكتشاف هذه المجموعة من الملوثات في الكون مؤشر إيجابي وقوي على احتمال وجود كائنات فضائية ذكية مثل الإنسان. وهناك تلسكوب تابع لوكالة الفضاء الأمريكية(ناسا) سيدشن عام 2018 واسمه تلسكوب "جيمس وِبْ الفضائي" (James Webb Space Telescope) وله القدرة على الكشف عن هذه الملوثات في الفضاء خارج الغلاف الجوي لكوكب الأرض.  

فهل سينجح العلماء في اكتشاف ملوثاتٍ صناعية منبعثة من المجتمعات والكائنات الفضائية؟      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق