الخميس، 4 سبتمبر 2014

وأخيراً انفجرت قنبلة المخلفات




كتبتُ عدة مقالات منبهاً ومحذراً إلى احتمال انفجار عشرات الآلاف من البراميل والحاويات التي تحمل في بطنها مخلفات مشعة قاتلة ومنتشرة في عدة مواقع في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه التحذيرات أصبحت الآن واقعاً ملموساً شهدناه قبل فترة قصيرة، وبالتحديد عندما وقع انفجار غامض وغير متوقع في موقعٍ للمخلفات النووية بالقرب من مدينة(Carlsbad) الواقعة في منطقة صحراوية نائية جنوب شرق ولاية نيو مكسيكو الأمريكية. 

ففي 14 فبراير من العام الجاري حدث ما كنت أخشاه وأُخَوِفُ الناس من وقوعه عاجلاً أم آجلاً، حيث انفجرت فجأة وبدون سابق إنذار حاوية من الفولاذ سعتها 55 جالوناً مدفونة في أعماق الأرض وفي طبقات ملحية على مسافة في باطن الأرض قدرها 2150 قدماً ومشحونة بمخلفات صلبة وملوثة بعنصر البلوتونيم المشع، مما أدى إلى تسربٍ إشعاعي خطير وانبعاث ملوثات مشعة  هددت بشكلٍ فوري ومباشر سلامة وحياة نحو 22 عاملاً يشتغلون في هذا الموقع. 

ومنذ وقوع هذه الحادثة وأنا أُتابع تفاصيلها ودقائقها، وحتى الآن لم يعرف المختصون والعلماء في وزارة الطاقة الأمريكية عن ملابسات هذه الواقعة وأسباب حدوثها وأسرار وقوعها، أي أن وقوع حوادث أخرى أشد وطأة وأكثر تدميراً للحرث والنسل وعلى نطاقٍ جغرافي أوسع قد تقع في أي وقت، وستكون تداعياتها وعواقبها الوخيمة لا تقل عن انفجار قنبلة نووية، وستتخطى تأثيراتها الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية.

فمن المعروف أن هذا هو الموقع والمدفن الوحيد من نوعه في أمريكا، وتم افتتاحه عام 1999 لدفن نوعٍ خاص ومحدد من المخلفات المشعة العسكرية، وهي تلك المخلفات الناجمة عن إنتاج وتصنيع الأسلحة النووية والأسلحة القديمة التي لا يمكن استخدامها، سواء أكانت صواريخ نووية، أو ذخائر، أو قنابل ذرية، أو مخلفات عسكرية من الحروب السابقة، فكل هذه المخلفات تُجمع في براميل من الفولاذ وتخزن تحت الأرض إلى أجلٍ غير مسمى، دون أن يعرف أحد عن مصيرها بعد عقود من الزمن وتأثيراتها المحتملة على البشر والحجر.  

والآن هذا الموقع مغلق حتى إشعارٍ آخر، ولكن الطامة الكبرى التي تواجهها أمريكا هي تراكم وتكدس المخلفات المشعة التي كانت تخزن في هذا الموقع، فالتقديرات الأولية تؤكد وجود نحو 8841 برميلاً من المخلفات المشعة في قائمة الانتظار لا يعرف أحد أين سيكون دفنها وفي أية بقعةٍ سيكون مثواها الأخير.

فهذه الحادثة المتوقعة تكشف لنا حجم معاناة أمريكا من قضية مخلفات الدمار الشامل، أو قنابل المخلفات المشعة الموقوتة والمتراكمة منذ الحرب العالمية الأولى والتي تزداد يوماً بعد يوم، كما أن هذه الحادثة يجب أن تُثير الرأي العام ليس على مستوى أمريكا فحسب، وإنما على مستوى دول العالم أجمع، وبالتحديد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إضافة إلى وكالات ومنظمات الأمم المتحدة المختصة بالوقود النووي والطاقة الذرية.

ولذلك فإنني أتساءل لماذا تتجاهل الأمم المتحدة الممثلة في مجلس الأمن الدولي من جهة، ودول العالم أجمع من جهةٍ أخرى عن هذ الآلاف من القنابل الذرية الموقوتة ومخلفات الدمار الشامل المشعة الموجودة في أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وأراضي الدول النووية منذ عقودٍ من الزمن، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقياً ومستمراً للسلم والأمن الدولي والاستقرار العالمي؟

وأين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قضية عشرات الآلاف من الأطنان من هذه القنابل الذرية المخزنة في هذه الدول والمكدسة في أراضيها، والتي قد تنفجر في أية لحظة فتقتل ملايين البشر وتلوث الكرة الأرضية برمتها؟

وإنني على يقين لو كانت هذه القنابل الموقوتة المتمثلة في المخلفات المشعة مُخزنة في أراضي الدول النامية والفقيرة لهبت الدول الغربية جمعاء هبة رجلٍ واحد، وتبعتها أذيال منظمات الأمم المتحدة المـَعْنية وغير المعنية واتخذت كل الوسائل السلمية وغير السلمية لمكافحة وجود هذه التهديدات النووية، بل وتمت محاكمة رؤساء هذه الدول على هذه الجريمة البيئية النكراء، أو حتى غزو هذه الدول عسكرياً واستباقياً لامتلاكها مخلفات الدمار الشامل!

ولكن كما تعودنا، فإن الدول الغربية وأدواتها المـُطيعة لها، والمنفذة لتوجيهاتها من مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية وبعض الجمعيات الأهلية دائماً تكيل بمكيالين مختلفين حسب المصلحة والأهواء السياسية، وتتبع عادة معايير مزدوجة ومتغيرة بناءً على الدولة الواقعة في قفص الاتهام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق