الجمعة، 5 ديسمبر 2014

حوار المنامة



حوار المنامة الذي يُنظم سنوياً في البحرين ويشارك فيه العديد من قادة العالم لمناقشة التحديات الأمنية الراهنة والمستقبلية على المستويين الإقليمي والدولي، نجده كالمعتاد يركز على العوامل التقليدية المعروفة المتعلقة بقضايا الأمن والحفاظ على الاستقرار القومي والإقليمي.

وفي المقابل يتجاهل الحوار كلياً، أو يغيب من جدول أعماله، الجانب والبعد الجديد الذي له علاقة مباشرة بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وأثبتت الأيام دور هذا العامل في إحداث أعمال العنف والشغب، والتسبب في عدم استقرار الدول والحكومات، ويؤدي إلى زعزعة الأمن على كافة المستويات.

وقد اعترفت الحكومة الأمريكية مؤخراً بواقعية هذا العامل ودوره في الإخلال بالأمن القومي الأمريكي، وهذا العامل الجديد هو "البيئة"، ممثلة في مشكلة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض. فقد أكد تقرير منشور من البنتاجون، أو وزارة الدفاع الأمريكية في 24 نوفمبر 2014 تحت عنوان: "خارطة الطريق لعام 2014 للتكيف مع التغير المناخي:"إن التغير المناخي يُشكل تهديداً فورياً وآنياً للأمن القومي"، وأنه يُعد "تهديداً مركباً، ويفوق تأثيره التحديات التي نتعامل معها اليوم"، كما أكد التقرير أن تداعيات وانعكاسات التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، مثل ارتفاع مستوى سطح المياه يُهدد سلامة القواعد العسكرية الأمريكية، كذلك فإن ارتفاع درجة الحرارة والأجواء القاسية كلها تؤدي إلى عدم الاستقرار، والمجاعة، والفقر، والنزاعات والصراعات، وتؤدي إلى نقص المياه والغذاء ووقوع أمراضٍ وبائية وتنتج عنها مشكلة اللاجئين البيئيين"، كذلك جاء في التقرير " إن التغير المناخي يُعد عاملاً مساعداً لنشوب النزاعات، وأنه عامل من عوامل عدم الاستقرار، ويشكل بذرة خصبة لنشؤ العنف والحروب".

كما قال وزير الدفاع الأمريكي المستقيل تشيك هيجل في الخطاب الذي ألقاه في بيرو في 13 أكتوبر في مؤتمر وزراء دفاع الدول في القارة الأمريكية والمكون من 34 دولة، "إن التغير المناخي مشكلة عالمية، وتأثيراتها لا تحترم الحدود الوطنية، ولذلك فالسياسة والأفكار يجب أن لا تقف أمام التخطيط السليم لمواجهته". كما أضاف الوزير في خطابه قائلاً: إن وزارة الدفاع الأمريكية تأخذ المخاطر الناجمة عن التغير المناخي بجدية بالغة، وهي اليوم تُدشن خارطة طريق جديدة للتكيف مع التغير المناخي، كما تضع الخطوات الرئيسة لمواجهة التحديات التي تنجم عن التغير المناخي، وستدمج هذه التحديات ضمن خطة وبرامج الوزارة"، وختم وزير الدفاع خطابة قائلاً: "يجب علينا أن نضع نصب أعيننا التهديدات الأمنية التي يسببها التغير المناخي، ويجب أن نتخذ خطوات استباقية لمواجهته".

وفي السياق نفسه ألقى كيري وزير الخارجية خطاباً في 16 فبراير من العام الجاري في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمام حشدٍ من الطلاب حذر فيه إلى أن التغير المناخي بسبب أنشطة الإنسان من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة يُهدد أسلوب ونمط حياته، ويُعد خطراً شديداً لا بد من مواجهته بشكلٍ جماعي مشترك وبصورة عاجلة، لأنه يعتبر، حسب وصف كيري "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. 

ولذلك وبعد كل هذه الأدلة الدامغة التي تؤكد العلاقة الوطيدة بين المشكلات البيئية عامة، ومشكلة التغير المناخي خاصة، واستتاب الأمن والاستقرار على المستوى القومي والإقليمي والدولي، يأتي "حوار المنامة" سنة تلو الأخرى ليتجاهل هذا العامل الخطير المهدد للأمن، ويغيبه تماماً من مناقشاته وحواراته، فهل يجوز هذا؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق