السبت، 27 ديسمبر 2014

اجتماعات التغير المناخي تُراوح في مكانها


الهدف الرئيس من أي اجتماع، أو مؤتمر على مستوى منظمات الأمم المتحدة هو الوصول إلى حلولٍ توافقية ومتزنة وملزمة، تُراعِي مصالح جميع الدول الأعضاء، وتتمثل هذه الحلول في أداة يُطلق عليها "الاتفاقيات والمعاهدات الدولية"، حيث تُسهم كل دولة في الحل وعلاج القضية موضع النقاش والتفاوض، ولذلك فنجاح الاجتماع، أو فشله يعتمد أساساً على تحقيق هذا الهدف والوصول إلى الحل الجماعي المشترك والملزم للجميع.

 

ودعونا نطبق هذا المعيار على الاجتماع الأممي العشرين الذي عقد في مدينة ليما في بيرو في الفترة من الأول من ديسمبر إلى الرابع عشر من العام الجاري لمناقشة قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، فقد تمخضت عن الاجتماع عدة قرارات "طوعية" أي "غير ملزمة" على الدول، أُطلق عليها نِداء ليما للعمل للمناخ(Lima Call for Climate Action)، وفي جوهرها لا تختلف عن اجتماعات التغير المناخي التي عُقدت في السنوات الماضية، منها الاجتماع الذي عُقد في مدينة كنكون في المكسيك عام 2010، وديربن في جنوب أفريقيا عام 2011، والدوحة 2012، ووارسو في بولندا 2013.

 

ومن القرارات التي اتخذت في اجتماع ليما وتكررت نفسها في الاجتماعات السابقة هي قيام جميع الدول بتحديد تعهداتها والتزاماتها تجاه خفض الانبعاث سنوياً من الغازات المتهمة بإحداث التغير المناخي بعد عام 2020، أي بعبارةٍ أخرى تقوم كل دولة حسب ظروفها وإمكاناتها المالية والتقنية بتقديم تصوراتها حول نسبة خفضها للإنبعاثات، ولذلك فاجتماع ليما لم يتخذ قراراً جماعياً يلزم فيه الدول على خفض انبعاثاتها من الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وتم إرجاء مثل هذا القرار إلى قمة باريس في ديسمبر عام 2015، فاجتماع ليما إذن فشل في تحقيق الهدف الرئيس، وكل ما قام به هو الحفاظ على ماء وجه الآلاف من الوفود المشاركة بإعلانٍ لا قيمة فعلية له بدلاً من الحفاظ على كوكب الأرض.

 

والسؤال الذي أطرحه الآن هو: هل تستطيع قمة باريس المرتقبة للتغير المناخي من عقد صفقةٍ مناخية دولية ملزمة لكافة دول العالم؟

 

لكي أجيب عن هذا السؤال لا بد لي من التطرق إلى الوضع السياسي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية فدورها هو الأساس والمحوري في نجاح أو إفشال أية اتفاقية دولية، وهذا الدور تأكد في إفشالها لبروتوكول كيوتو لعام 1997 الذي ألزم الدول الصناعية الغنية على خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، حيث وافقت أمريكا في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلنتون على البروتوكول ثم جاء عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش فأبطل البروتوكول ورفض الكونجرس المصادقة عليه.

 

وهذا المشهد السياسي يتكرر من جديد فالرئيس أوباما وهو الآن في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، متحمس لمعاهدة دولية ملزمة للجميع، ولكنه في الوقت نفسه لا يمتلك حق اتخاذ القرار النهائي والمصادقة على أية اتفاقية دولية، فهذه الحق مكفول للكونجرس الذي يسيطر عليه أعداء ومنكرو ظاهرة التغير المناخي وهو الحزب الجمهوري. وجدير بالذكر أن لجنة البيئة والأشغال العامة المعنية مباشرة بقضايا البيئية يرأسها أحد الغلاة والمتطرفين والمنكرين لدور الإنسان في وقوع ظاهرة التغير المناخي وهو الجمهوري من ولاية أوكلاهوما جيمس إنهوف(James M. Inhofe). وعلاوة على هذا فقد كشفت صحيفة النيويورك تايمز في 6 ديسمبر 2014 عن أن جماعات الضغط في مجال الطاقة الذين يمثلون شركات الطاقة ورجال الكونجرس الجمهوريين عملوا تحالفاً سرياً لمواجهة القوانين الاتحادية في مجال البيئة والتي قد تضر بمصالحهم، وبالتحديد التغير المناخي. كما أكدت صحيفة الواشنطن بوست في 7 ديسمبر 2014 على وجود هذا التحالف السري من أن جماعات الضغط المتعلقة بالوقود الأحفوري وبالتعاون مع الجمهوريين يعملون على مواجهة الأنظمة البيئية وبخاصة المتعلقة بالتغير المناخي والإنبعاثات من محطات توليد الكهرباء، فشركات النفط والفحم والغاز أنفقت الملايين لانتخاب الجمهوريين في الكونجرس والآن جاء دورهم لدفع الديون التي عليهم.

 

فهذه المعطيات والحقائق التي أراها أمامي لا تجعلني أرى أية بارقة أمل في هذا النفق المظلم الذي تسير فيه قضية التغير المناخي منذ أكثر من 22 عاماً، ولذلك فإنني لا أتوقع وصول دول العالم في قمة باريس إلى اتفاقية مشتركة تتعد بها كافة دول العالم.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق