السبت، 16 مايو 2015

أعداءٌ يتحدون لمحاربة عدوٍ مشترك


عدوٌ شرس لا يمكن إيقافه من قبل أي دولةٍ لوحدها مهما كانت قوتها وعظمتها وعدتها وعتادها، ومهما كانت لديها من أجهزة متطورة، ومعدات حديثة، وذخائر ثرية، فهذا العدو لا تنفع معه المعدات الحربية العسكرية من دبابات وصواريخ وطائرات وقنابل نووية أو تقليدية، فهو لا يَعْرف الحدود الجغرافية المـُصْطنعة، بل ولا يعترِفُ بوجودها، فينتقل بكل سهولةٍ ويُسر من دولةٍ إلى أخرى ومن منطقةٍ إلى أخرى، ويزحف من مكانٍ إلى آخر دون حسيبٍ أو رقيب، فيضرب ضربةً موجعة وقاسية في أية دولةٍ أو منطقةٍ ينزل عليها، فيُهلك الحرث والنسل، ويقضي على الأخضر واليابس، ويُفسد ويدمر كل شيء يقف في طريقه من إنسانٍ أو نباتٍ أو حَجَر.

 

ولذلك اضطرت الدول المجاورة، حتى ولو كانت بينها عداوات تقليدية، أو حروباً طاحنة وقعت بينها في الماضي، أن تتوحد قواها، وتجند كل إمكاناتها ومواردها للدفاع عن نفسها، وتنشئ قوة مشتركة بينها لحمايتها جميعاً، ومكافحة هذا العدو اللدود المشترك ومواجهته بشكلٍ جماعي.

 

هذا العدو المشترك هو "التلوث"، سواء أكان الملوثات القاتلة التي تنطلق إلى الهواء الجوي من وسائل النقل والمصانع ومحطات توليد الكهرباء فتتحرك عبر حدود الدول الوهمية، حتى ولو كانت بعيدة عن مصدر التلوث دون أن يمنعها أحد، أو تلك الملوثات السامة التي تُصرف إلى المسطحات المائية السطحية والجوفية المشتركة بين الدول فتنتقل من خلالها إلى حدود الدول الأخرى.

 

ومن الأمثلة الواقعية الحديثة التي يمكن الاستشهاد بها وضربها للتأكيد على هذه الظاهرة، وإثبات هذه الحقيقة المشهودة هي الاتفاقية الثلاثية المشتركة بين الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان. فبالرغم من المناوشات العسكرية والسياسية بين هذه الدول حول الجزر الحدودية، وبالرغم من خلافاتها السياسية والعقدية عبر العصور، إلا أن هذا لم يمنع اتحادها في مواجهة عدو التلوث المشترك، وعقد اتفاقية ثلاثية للتصدي لهذا العدوان الغاشم، ووضع خطة تنفيذية تقوم بها كل دولة على حدة حسب مصادر التلوث فيها، فتُسهم هذه الدول في خفض انبعاث نسبة الملوثات التي تنطلق إلى الهواء الجوي، أو إلى الأنهار والبحار والبحيرات التي تشترك فيها مع بعض في الحدود الجغرافية.

 

ولذلك اجتمعت الدول الثلاث عدة مرات، كان آخرها الاجتماع الوزاري الذي عقد في شنجهاي في 22 أبريل من العام الجاري وأَكدتْ على اتخاذ خطوات عملية وحاسمة لمواجهة هذا العدو الغازي، ومراقبة كافة تحركاته من المصدر إلى آخر مكانٍ تنزل عليه، وتحديد التقانات اللازمة للتصدي له وتخفيف آثاره على موارد البيئة والإنسان.

 

وقد أيقنت دول العالم برمتها هذه الحقيقة المشهودة والواقعية، وتَأكدَ المجتمع الدولي أنه لا مَفَرَّ من الاتحاد لمواجهة التلوث، ولا بد من السعي نحو العمل الدولي المشترك لمكافحته ونبذ كافة أنواع الخلافات والنزاعات السياسية والأمنية والاقتصادية وعلى جميع المستويات، فتَبَنى المجتمع الدولي ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة المتخصصة آلية وأداة دولية تُلزم كل دولة على حدة للمساهمة في علاج التلوث، وهذه الآلية التي أَجْمعت عليها دول العالم دون استثناء هي الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية، مثل بروتوكول مونتريال الخاص بحماية طبقة الأوزون التي تحمي الإنسان من شر الأشعة فوق البنفسجية القاتلة، واتفاقية التنوع الإحيائي المعنية بحماية التراث الطبيعي من بيئات وكائنات حية نباتية وحيوانية وكائنات دقيقة، ومنها أيضاً الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي والخاصة بمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض وحدوث التغير المناخي على مستوى الكرة الأرضية، ومعاهدة الاتجار الدولي في الكائنات الحية الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض، وحماية الأنواع الحيوانية المهاجرة في البر والبحر.

 

فالبيئة إذن وهمومها وشؤونها تستطيع أن تُوحد الدول تحت شعارٍ واحد هو "حماية كوكبنا"، وتبني علاقات وثيقة وقوية بين كل دول العالم مهما كانت الخلافات بينهما، فكُلنا يعيش على هذه الأرض، فلا أرضَ غيرها تصلح للحياة، ولا أرض غيرها نعرفها حتى يومنا هذا، فعلينا جميعاً أن نحافظ عليها ونحميها ونمنع أية دولة، مهما كانت قوتها، من الإضرار بصحتها وأمنها ومصيرنا المشترك.

  

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق