الثلاثاء، 5 مايو 2015

أزمة المرور ودور المجلس الأعلى للمرور


تابعتُ بكل شغفٍ واهتمام وقائع وقرارات وتوصيات الاجتماع الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للمرور من خلال وسائل الإعلام المختلفة، والتي أَكدتْ على ايجاد حلول جذرية لمشاكل المرور من خلال تقديم بعض الحلول التي قد تخفف من حدة المشكلة وتقلل من تداعياتها على المواطن والمجتمع.

 

ولكن ما يثير قلقي، ويعمق من مخاوفي هو حصر قضية السيارات في الزاوية المرورية الضيقة، والتعامل معها وإدارتها عن طريق البعد المروري فقط، ثم تجاهل ونسيان الأبعاد والجوانب الأخرى للسيارات التي لا تقل أهمية من ناحية تأثيراتها الكبيرة على الفرد والجماعة والدولة بكل أركانها، بل وأستطيع أن أجزم وأؤكد بأن تداعياتها الخطرة أشد وطأة وتأثيراً من الجانب المروري، فهي تُـهدد الأمن الصحي والبيئي والاقتصادي من جهة وأمن مصادر وموارد الطاقة من جهة أخرى، فمن الخطأ الفادح إذن أن نقتصر في حديثنا عن قضية السيارات في الأزمة المرورية التي تنشئ عنها، إذ لا بد من طرح الرؤية الشاملة والمتكاملة لهذه القضية، وتبني حلولاً شاملة ومتكاملة تعالج كافة الجوانب المتعلقة بقضية السيارات حتى نقضي على المشكلة من جذورها ونبتعد عن الحلول المسكنة والقصيرة الأمد والتي وقعها يكون عادةً بسيطاً وقصيراً، ثم ترجع المشكلة وتظهر كما كانت مرة أخرى، وربما أكثر تفاقماً من قبل.

 

وقد تأملتُ منذ التسعينيات من القرن المنصرم في قضية السيارات، ودرستها بعمق وموضوعية، وتيقنتُ بأنها هي القضية المستقبلية في مملكة البحرين، فنشرتُ رؤيتي وأفكاري في الكتاب الذي صدر عام 1999 تحت عنوان: "السيارات، المشكلة والحل". 

 

وفي هذا الكتاب بيَّنتُ أولاً قضية السيارات كمشكلة عالمية تعاني منها معظم المدن الحضرية، فالبحرين لا تقف وحيدة أمام هذه الظاهرة والقضية الشائكة، ثم تطرقت إلى كافة الأبعاد والجوانب المتعلقة بمشكلة السيارات وتعمقت في تداعياتها وخطورتها، مثل البعد البيئي من ناحية تلوث الهواء وتدهور صحتها نوعياً وكمياً والمظاهر التي تنكشف عنها في الهواء الجوي، ثم البعد الصحي والأمراض الحادة والمزمنة التي تنجم عن التعرض لملوثات السيارات السامة والمسرطنة وانكشاف ظاهرة الموت المبكر في المدن بسبب عوادم السيارات، وبعد هذين البعدين تناولت الجانب المروري من حيث زيادة درجة الازدحام والاكتظاظ والحوادث المؤلمة في الشوارع وما تنجم عنها من مشكلات فرعية أخرى، ثم الجانب المتعلق بأمن الطاقة ونفودها، وأخيراً تطرقت إلى الجانبين الاقتصادي والاجتماعي الناجمين عن أبعاد قضية السيارات.

 

وبعد أن شخصتُ المشكلة بكامل أبعادها وعرفتُ أن هذه القضية معقدة جداً ومتشابكة ومتشعبة ومرتبطة بقضايا أخرى، قدمتُ فصلاً أطلقتُ عليه: "الإدارة المستدامة والمتكاملة لمشكلة السيارات"، حيث طرحت فيه الحلول على عدة مستويات منها مستوى الجهاز التنفيذي، ومستوى الجهاز التشريعي، ومستوى الشركات الصناعية، ومستوى الجمعيات والأندية والأفراد. أما بالنسبة للحل على المستوى الحكومي فقد قدمتُ بإسهاب دور كل وزارة وهيئة حكومية في المساهمة في علاج هذه القضية، بحيث تقوم كل وزارة أو هيئة بتقديم الحلول وتنفيذها حسب اختصاص ومهمات ووظائف هذه الوزارة أو الهيئة، كذلك الحل على مستوى الشركات الصناعية التي لها دور في إنتاج الوقود للسيارات، فكل جهةٍ من هذه الجهات تعالج جانباً وبعداً محدداً من أبعاد قضية السيارات حسب مهماتها واختصاصاتها، وفي نهاية المطاف يصب الجميع في دائرة علاج هذه القضية المعقدة.

 

وهنا يأتي دور المجلس الأعلى للمرور ليُنسق بين كل هذه الجهات المختلفة المعنية بالحل فيرسم "خارطة طريق" لإدارة قضية السيارات، وتبدأ خارطة الطريق بمخاطبة جميع الأجهزة الحكومية وغير الحكومية واستطلاع رأيها في تقديم مجموعة من الحلول العملية القابلة للتنفيذ كل حسب وظيفتها واختصاصها ووضعها جميعها في بوتقة واحدة ستكون هي "الحل المتكامل والمستدام" لقضية السيارات.      

 

وأتمنى جميعاً أن لا نستهين بقضية السيارات وتداعياتها المهددة للوطن والمواطن، ونعمل سوياً لعلاجها، فيُسهم كل منا في الحل، فهي ستكون قضيتنا المستقبلية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق