الاثنين، 4 مايو 2015

القبضة الحديدية لمكافحة التلوث


ربما لأول مرة في تاريخ الصين يُلقي المسؤولون الصينيون تصريحاتٍ نارية عارمة حول قضايا لا تخص الأمن أو الاقتصاد، وإنما تدور حول القضايا البيئية والفساد الكبير والشامل الذي استفحل في المجتمع الصيني وهزَّ  صحة الإنسان والحيوان والنبات، ودمر عطاء وإنتاجية الهواء والماء والتربة إلى درجةٍ سواء.

 

فقد صدرت هذه التصريحات الحازمة والقوية من رأس الهرم الحزبي ومن قمة رجال الدولة وهو الرئيس الصيني كساي جينبينج(Xi Jinping)، حيث قال بلهجةٍ شديدة وغاضبة في العاشر من مارس من العام الجاري أثناء الاجتماع السنوي للمجلس الشعبي الوطني الصيني: "سنقُوم بمعاقبة المخالفين بالضرب بيدٍ من حديد لكل من يدمر مكونات البيئة، وبدون استثناء"، وأضاف الرئيس الصيني مشدداً على أهمية حماية البيئة والمحافظة على ثرواتها الطبيعية وبلغةٍ لم نعهدها من قبل، حيث قال: "حماية البيئة هي مفتاح تأمين حياة المواطنين وعلى الجميع العناية بالبيئة كما يعتني بأعينهم وحياتهم".

 

وفي الحقيقة فإنني كتبتُ عدة مقالات حول الظاهرة الصينية في النمو وانعكاساتها المباشرة والخطيرة على صحة الإنسان والحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني وعلى سائر عناصر البيئة، وإنني أُشدد وأرُكز على هذه الحالة الصينية لأنها تجربة معاصرة، وخبرة نراها أمامنا رؤي العين فيجب أن لا نتجاهلها، أو تفوتنا الاستفادة منها في بلادنا، فلا نريد أن نقع في زلاتهم، وتنزلق أقدامنا في هفواتهم.

 

وهناك مؤشرات أراها في البحرين قد تصل بنا إلى ما وصلت إليها الصين، فمئات العيون العذبة الفرات في البر والبحر قد جَفتْ وانتهت كلياً من خارطة البحرين، والمياه الجوفية تحولت إلى ملحٍ أجاج غير سائغٍ للشاربين، والبحر نأكل من جسمه رويداً رويدا، وفي كل يوم نقطع شرياناً من شرايين هذا البحر، ونبتر عضواً من أعضائه المنتجة التي تمدنا بالماء والغذاء، فنقضي كلياً مع كل هذا على مواطن الأسماك والحياة الفطرية الجميلة والبديعة. وفي الجانب الآخر فإن الهواء الذي من المفروض أن يحمي صحتنا ويُعيننا في استدامة حياتنا وبقائنا، فلا حياة صحية بدونه، قد أَطْلقنا في بطنه كافة أنواع الملوثات من السيارات التي بدأت تخنقنا في الطريق وفي الجو وتسبب مشكلات بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية.

 

فكل هذه المؤشرات الواقعية الحية تؤكد لي شخصياً أننا سائرون على الدرب الصيني، وإذا لم نغير مسارنا، فعلينا أن نتوقع أن يصيبنا ما أصاب الصين. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق