الجمعة، 20 نوفمبر 2015

الفشل مصير قمة باريس للتغير المناخي



هل ستكون قمة باريس أفضل حالاً وأوفر حظاً من القمم والاجتماعات الدولية الأخرى التي عُقدت حول قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، أم سيكون مصيرها كمصير باقي الاجتماعات والمؤتمرات التي وكأنها لم تُعقد، فلم يتمخض عنها ما يُروي غليل كوكبنا وبيئتنا الوحيدة، ويطفئ ظمأها، ويُقمن صلبها، ويشفي عِلتها؟

فالتحدي الكبير الذي يواجه الدول الآن والذي يحدد فشل أو نجاح أية قمة للتغير المناخي هو الاتفاق جميعاً على معاهدة دولية شاملة و"ملزمة قانونياً"، أي الحصول على تعهد كافة دول العالم بدون استثناء على الوفاء بالتزامات ملموسة وفاعلة وواضحة خلال فترة زمنية محددة، والقيام بخطواتٍ تنفيذية مشهودة، كل دولة على حِدة، وتتمثل هذه الإجراءات في خفض انبعاث الملوثات المسئولة عن وقوع التغير المناخي للأرض والمتهمة برفع درجة حرارتها وإصابتها بالسخونة المزمنة.

ولكي أجيب عن السؤال الذي طرحته في مقدمة المقال، سأرجع إلى مواقف ومرئيات دول العالم الرسمية والمعلنة حول التغير المناخي، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى التي في يدها القرار وتوجيه بوصلة سياسات العالم، وتسير دفة سفينة كوكبنا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي 12 نوفمبر من العام الجاري وعلى هامش قمة "فاليتا" بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا حول الهجرة، فَجَّر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قنبلة من قنابل الدمار الشامل التي لاقت صداها في كل دول العالم وأصابت الكثيرين بالإحباط والتشاؤم، حيث صرح في مقابلة صحفية مع جريدة الفايننشال تايمس مشيراً إلى قمة المناخ رقم (21) التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس في الفترة من 30 نوفمبر حتى 11 ديسمبر من العام الجاري، وقال: "لن تكون معاهدة بالتأكيد... لن تكون هناك أهداف خفض لانبعاث الغازات ملزمة قانونياً مثل ما كان الأمر بالنسبة إلى كيوتو". فوزير الخارجية الأمريكي في هذا التصريح يستبعد بكل وضوح وصراحة إمكانية دول العالم التوصل إلى اتفاقية للتغير المناخي ملزمة قانونياً، بحيث تُـجبِر دول العالم بدون استثناء على خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة المعنية بالتغير المناخي بنسبٍ محددة وفي فترة زمنية واحدة.
فالمعاهدة الدولية اليتيمة التي أَجمعتْ عليها دول العالم وتعهدت بتنفيذها من خلال الحد من انبعاثاتها بدرجةٍ محددة، كانت بروتوكول كيوتو لعام 1997، وحتى هذه المعاهدة لم تر النور طويلاً، فقد هاجمتها الولايات المتحدة الأمريكية بشدة وخرقت الاجماع الدولي، عندما رفض الرئيس السابق جورج بوش والكونجرس الجمهوري الأمريكي المصادقة عليها بحجة تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، فكان الفشل هو مصير هذا البروتوكول الوحيد.  

ولذلك جاء رد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس(Laurent Fabius) سريعاً ومباشراً على تصريحات كيري غير المشجعة والمخيبة للآمال، حيث أبدى أسفه العميق من هذا الموقف، وقال بعبارات لطيفة للإعلام مشيراً إلى هذه التصريحات: "أعتقد أنه كان يمكن أن يستخدم تعبيراً أفضل".

فمن الواضح إذن أن قمة باريس ستبدأ بقواعد ضعيفة ومهزوزة، وليست لديها القوة السياسية الكافية التي تسمح لها بالخروج بقرارات حاسمة وجازمة، ولم تحصل على الدعم المطلوب من أكبر قوة سياسية وعسكرية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فالكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون والذين كسبوا سمعة سيئة خلال محاربتهم لأي اتفاق ملزم في مجال التغير المناخي وعدائهم المعلن لوضح حدود لانبعاث الملوثات، سيعمل على احباط أية محاولة من البيت الأبيض لبلوغ اتفاق دولي يلزم أمريكا على خفض انبعاث الملوثات. 

واستناداً إلى هذه المعطيات، فإنني غير متفائل من أن دول العالم ستنجح في الالتزام بشكلٍ جماعي في حماية كوكبنا من ارتفاع درجة حرارتها، وأتوقع كالعادة في باقي الاجتماعات أن يخرج عن المؤتمر حفاظاً على ماء وجه المجتمعيين الذي لوثوا البيئية ورفعوا درجة حرارتها من خلال سفر عشرات الآلاف من الوفود إلى باريس، أن يوافقوا على بعض "اللوائح والأنظمة والإجراءات العامة"، ولكن لن تتمخض عن القمة أية تعهدات من الدول على خفض انبعاث ملوثاتها إلى الهواء الجوي بحدود معينة وفي فترات زمنية واضحة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق