الجمعة، 27 نوفمبر 2015

قمة "المجاملات" للتغير المناخي





الاجتماع رقم (21) للدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أو ما يُطلق عليه الآن قمة باريس، والتي تُعقد حالياً في العاصمة الفرنسية، تَحولت إلى قمة "مجاملات" لفرنسا، وليست قمة لحماية الأرض من تهديدات التغير المناخي وسخونة الأرض، فأصبح تركيزها ومركز اهتمامها مُنْصباً على التضامن مع الشعب الفرنسي ضد العملية الإرهابية التي نزلت عليها فهزت أركانها ودعائمها وأصابتها في عُقر دارها ومركز ثقلها وقلبها النابض بالحياة، فتوافد معظم رؤساء الدول ورؤساء وزراء الحكومات إلى باريس دعماً لحكومة وشعب فرنسا، وللإعلان عن وقفتهم الصلبة مع هذه الدولة المنكوبة، إضافة إلى التشديد على مواقفهم الثابتة والراسخة وتحديهم للإرهاب، وبالتحديد الإرهاب الناجم عن ما يُطلق عليه بداعش أو تنظيم الدولة الإسلامية.

ولذلك مع هذه الروح السائدة بين وفود الدول المشاركة، وهذه النية الواضحة التي طَغَتْ على مشاركة رؤساء الدول، فماذا نتوقع منهم من تعهدات تجاه كوكبنا وارتفاع درجة حرارتها وسخونة أعضاء جسمها؟

وهل ستَخْرج الدول المشاركة في القمة بمعاهدة "شاملة وملزمة قانونياً"، أي معاهدة تشمل كل دول العالم بدون استثناء، ومعاهدة تلتزم بها كافة الدول وتتعهد أمام الملأ على وضع حدودٍ واضحة لنسبة ودرجة انبعاثاتها من الغازات التي تهدد سلامة كوكبنا، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون؟ 

فالتقارير الحكومية والصحفية التي تُنشر هذه الأيام حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة العظمى الأولى التي بيدها مفاتيح انجاح القمة أو فشلها، وبيدها تحريك دفة سفينة التغير المناخي إلى بَر الأمان، تُؤكد بأن الرئيس الأمريكي أوباما يحضر القمة وليس في جعبته أية التزامات قوية وواضحة المعالم من الحكومة الأمريكية، أو تفويض رسمي من الكونجرس لخفض انبعاثاتها من الغازات المسؤولة عن التغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، ولن يُقدم أثناء زيارته القصيرة أية وعود حقيقية فاعلة، أو ضمانات أمريكية مكتوبة لحماية الأرض من حرارتها المرتفعة، فمشاركته تدخل ضمن باب الدعم والمساندة للحكومة الفرنسية ضد الإرهاب وليس وقوفاً مع قضية التغير المناخي الدولية، وتحدياً للإرهابيين أينما كانوا وليس تحدياً لمواجهة والحد من إطلاق الملوثات إلى الهواء الجوي، وحضوره للقمة يأتي تلبيةً لدعوة حارة قدَّمها الرئيس الفرنسي هولاند عند زيارته الأخيرة للبيت الأبيض لمناقشة سبل التعامل مع تداعيات العملية الإرهابية في فرنسا وتنسيق الجهود المستقبلية ضد داعش.

فالرئيس أوباما الآن في الرَمق الأخير من حُكمه، وهو يَعُد أيامه القليلة الباقية، ويجهز حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، فلن يتمكن في هذه المرحلة الختامية من رئاسته من ضمان مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في خفض انبعاثاتها في القريب العاجل، ولن يكون قادراً عملياً على الالتزام بأية تعهدات مؤثرة وفاعلة للحد من إطلاق الملوثات إلى الهواء الجوي، فمن جهة الرئيس القادم له الحق في تغيير وإلغاء أي التزامٍ غير مكتوب وموثق قانونياً للرئيس السابق، ومن جهةٍ أخرى فإن الكونجرس الأمريكي يُسيطر عليه الآن الجمهوريون، ومعظمهم لا يؤمن بالتغير المناخي وانعكاساته على سلامة الأرض، بل ويدَّعون بأن أي التزامٍ أمريكي على مستوى الولايات بخفض انبعاثاتها من الملوثات سيُضحي بالاقتصاد الأمريكي ويُضعفه، ويقتل فرص الأعمال والعمل والوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية برمتها.

وجدير بالذكر أن دول العالم منذ الاتفاق على بروتوكول كيوتو لعام 1997 والتي ألزمت الدول الصناعية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية على خفض انبعاثاتها بنسبة معينة وفي فترات زمنية محددة، تُراوح في مكانها، فلم تتمكن من اتخاذ خطوة أخرى مماثلة على المستوى الدولي، فدول العالم مازالت حتى يومنا هذا في مرحلة "المفاوضات"، ومازالت تُعقد الاجتماعات، واحدة تلو الأخرى، ولكن دون جدوى أو قرارات ملزمة وفاعلة، وهذه القمة الباريسية الآن لن تكون في تقديري مختلفة عن باقي القمم، وعلى كوكبنا الانتظار، والتحمل، والتكيف مع كل هذه التغييرات المناخية التي أصابتها وضربت أعضاءها.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق