الخميس، 5 نوفمبر 2015

كم يُساوي الخُفَّاش بالنسبة لك؟



قبل أيام تلقيتُ مكالمة من جامعة البحرين حول وجود أعدادٍ كبيرة من الخَفَافِيش التي قد وضعت عشها،وصنعت بيتها، واستقرت أمورها فاستَوطَنت وتكاثرت في أسقف أحد المواقع النائية والمظلمة وشبه المغلقة في مبنى الجامعة في منطقة الصخير، وكان الهدف من المكالمة هو التخلص من هذه الخفافيش المخيفة وإبعادها عن هذا المبنى المأهول بالبشر.

ولا شك بأننا في البحرين لا نستشعر أهمية مثل هذا الكائن الحي، ولا نحس أو نعرف دوره في حد ذاته، ولا نعلم شيئاً عن وظيفته ضمن النظام البيئي في البحرين، وبخاصة في المناطق البرية والكهوف النائية التي يستوطنها هذا الكائن، ولذلك من السهل علينا أن نقوم بالتخلص منها، إما بقتلها، أو جعلها تَنْفر وتهرب من بيئاتنا المسكونة بالناس.

ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية فالأمر مختلف كلياً، وبخاصة بالنسبة لإحدى الولايات، فبَقَاء هذه الخفافيش ووجودها في البيئة التي تعيش فيها يساوي مبالغ مالية طائلة وعظيمة، وقُدرتْ مؤخراً فوائدها المحسوبة مالياً بنحو3.7 بليون دولار، أي أن دور ووظيفة الخفاش في البيئة الأمريكية مهم جداً وحيوي ليس من الناحية البيئية فحسب، والتي مع الأسف يغفل عنها الكثير من الناس ولا تُحرك ولا تسيل لعاب القادة السياسيين أو رجال الأعمال، وإنما من الناحية الاقتصادية البحتة على حدٍ سواء.

ففي المناطق الزراعية الواسعة وفي الحقول الشاسعة التي تبلغ مساحتها في بعض الأوقات أكبر من مساحة البحرين، والتي تزرع فيها المحاصيل التي يستهلكها الإنسان ويعتمد عليها كلياً في غذائه كالحبوب والفواكه، يضطر فيها المزارعون إلى استخدم شتى أنواع المبيدات القاتلة للحيوان، والحياة الفطرية والإنسان على حدٍ سواء، فيرشون في حقولهم أحجاماً كبيرة من مبيدات الحشرات، والأعشاب، والطفيليات وغيرها من أجل القضاء على كافة أنواع الآفات التي تأكل هذه المحاصيل فتقضي عليها كلياً في بعض الأوقات، أو تؤثر بشكلٍ مشهود على جودتها ونوعيتها.
وهذه المبيدات إضافة إلى أنها سامة للبشر والحجر والكائنات الحية الأخرى وتلوث التربة والمسطحات المائية والأنهار الجوفية، فهي مكلفة جداً وغالية الثمن وترهق ميزانية هؤلاء الفلاحين، فترفع من كُلفة الإنتاج وسعر المحاصيل.

ولذلك كان لا بد من إيجاد البدائل الطبيعية والصحية للبيئة والإنسان من جهة، والتقليل من مصاريف التشغيل والإنتاج من جهةٍ أخرى، فكان البديل المناسب والحل الناجع يكمن في ثرواتنا الفطرية الطبيعية الحية التي خلقها الله لنا، فجعل كلاً منها بِقَدَر وبأعداد محسوبة ووضعها في المكان المناسب الذي يقوم بدوره ووظيفته خير قيام ضمن الكائنات الحية الأخرى بدرجةٍ متناهية في الدقة والاتزان.

وكان الخفاش أو الوَطْوَاط هو الكائن الحي الذي يستطيع أن يقوم بهذه الوظيفة التي تتمثل في القضاء على الآفات والحشرات الضارة بالنباتات بشتى أنواعها، إضافة إلى تلقيح أكثر من 300 نوعٍ من الفواكه، وبالتالي توفير الملايين من الدولارات التي تُصرف على المبيدات والخسائر التي تنجم عن كمية المحاصيل وجودتها. فالخفاش يبدأ دوامه الرسمي ووقت عمله المرسوم له بعد غروب الشمس بعد أن نخلد نحن بني البشر إلى الراحة والنوم، فينطلق في الجو والفضاء المفتوح في هذه الحقول المظلمة فيلتهم كل حشرة ضارة تقف في طريقه، ويُقدم بالتالي خدمة مجانية للبشرية وعمل تطوعي دون أي مقابل من بني البشر.

وقد حاول العلماء منذ سنوات تحويل هذه الخدمة الطبيعية إلى أوراق نقدية محسوبة ومبالغ مالية معدودة، وقد توصلوا إلى أن الدور الذي تقوم به الخفافيش لحماية الإنتاج والمحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية هي قرابة 3.7 بليون دولار، وفي ولاية تكساس يساوي حفاظها على حقول القطن زهاء مليون دولار، ونحو بليون دولار لإنتاج الذرة على المستوى الدولي.

ولذلك لا تحتقروا أي كائنٍ حي، مهما صغر، أو كان مفترساً وساماً، سواء أكان حيوانياً أو نباتياً، فلكلٍ دوره ووظيفته، فهناك من الوظائف التي اكتشفها الإنسان، وهناك ما لم يكتشفها بعد، والعلم كفيل بإظهارها ومعرفتها مع الوقت، فالله لم يخلق أي كائنٍ حي عبثاً.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
    أما بعد...
    أنا طالبة من دولة الإمارات في جامعة زايد في تخصص صحة البيئة
    لقد أعجبت بكتاباتك عن البيئة وخاصة كتاب (ثرواتنا البيئية مهددة) فالمادة مشوقة و اللغة سهلة
    وقد زاد اهتمامي بالبيئة و الكيفية المحافظة عليها لمستقبل أكثر صحة وتقدم
    أشكرك على كتاباتك و اتمنى لك التوفيق

    أمينة الجابري
    aljaberi95@gmail.com

    ردحذف